(فَإِنَّهُ) فإنّ الله سبحانه (يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) يدخل من بين يدي من ارتضى للرسالة (وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) حرسا من الملائكة يحرسونه ويحفظونه من الشياطين ، يطردونهم عنه ، ويعصمونه من وساوسهم وتخاليطهم. وعن الضحّاك : ما بعث نبيّ إلّا ومعه ملائكة يحرسونه من الشياطين أن يتشبّهوا بصورة الملك.
(لِيَعْلَمَ) النبيّ الموحى إليه (أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا) جبريل مع خواصّ الملائكة النازلين بالوحي ، كما جرت عادة الملوك بأن يضمّوا إلى الرسول جماعة من خواصّهم تشريفا له. وهذا كما روي أنّ سورة الأنعام نزلت ومعه سبعون ألف ملك.
وعن سعيد بن جبير : ما نزل جبرئيل بشيء من الوحي إلّا ومعه أربعة من الملائكة حفظة. أو ليعلم الله أن قد أبلغ الأنبياء. يعني : ليتعلّق علمه به موجودا. (رِسالاتِ رَبِّهِمْ) محروسة من التغيير. وعلى التفسير الثاني ؛ وحدّ الضمير أوّلا على اللفظ في قوله : (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ). ثمّ جمع على المعنى ، كقوله : (فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) (١).
(وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ) بما عند الرسل من الحكم والشرائع ، لا يفوته منها شيء ، ولا ينسى منها حرفا ، فهو مهيمن عليها حافظ لها (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) حتّى القطر والرمل وورق الأشجار وزبد البحر ، فكيف لا يحيط بما عند الرسل من وحيه وكلامه؟ ونصب «عددا» على الحال ، أي : وضبط كلّ شيء معدودا محصورا. أو على المصدر في معنى : إحصاء.
__________________
(١) الجنّ : ٢٣.