هذه السورة بالإنذار عن ترك المأمورات ، فأمره أن يبدأ بنفسه ثمّ بالناس ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) وهو لابس الدثار.
روي أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «كنت بحراء فنوديت فنظرت عن يميني وشمالي فلم أر شيئا ، فنظرت فوقي فإذا هو على عرش بين السماء والأرض ـ يعني : الملك الّذي ناداه ـ فرعبت ورجعت إلى خديجة فقلت : دثّروني دثّروني ، فنزل جبرئيل وقال : «يا أيّها المدّثّر». ولذلك قيل : هي أوّل سورة نزلت.
وعن الزهري : أوّل ما نزل سورة «اقرأ باسم ربّك» إلى قوله : «ما لم يعلم». فحزن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وجعل يعلو شواهق الجبال ، فأتاه جبرئيل فقال : إنّك نبيّ الله. فرجع إلى خديجة وقال : دثّروني وصبّوا عليّ ماء باردا. فنزل : «يا أيّها المدّثّر».
وقيل : سمع من قريش ما كرهه ، فاغتمّ فتغطّى بثوبه مفكّرا كما يفعل المغموم ، فنزل.
وقيل : المراد المتدثّر بالنبوّة والكمالات النفسانيّة. أو المختفي ، فإنّه كان بحراء كالمختفي فيه ، على سبيل الاستعارة.
(قُمْ) من مضجعك ، أو قم قيام عزم وجدّ (فَأَنْذِرْ) أطلق الإنذار للتعميم.
والمعنى : فافعل الإنذار من غير تخصيص له بأحد. أو قدّر بمفعول دلّ عليه قوله : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (١) أي فحذّر قومك من عذاب الله إن لم يؤمنوا. والأوّل أولى. ويؤيّده قوله : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) (٢).
(وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) وخصّص ربّك بالتكبير. وهو وصفه بالكبرياء اعتقادا وقولا. روي : أنّه لمّا نزل قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الله أكبر ، فكبّرت خديجة وفرحت ، وأيقنت
__________________
(١) الشعراء : ٢١٤.
(٢) سبأ : ٢٨.