قال : تزعمون أنّه كاهن ، فهل رأيتم عليه شيئا من ذلك؟
قالوا : اللهمّ لا.
قال : تزعمون أنّه شاعر ، فهل رأيتموه ينطق بشعر قطّ؟
قالوا : اللهمّ لا.
قال : أتزعمون أنّه كذّاب؟ فهل جرّبتم عليه شيئا من الكذب؟
قالوا : اللهمّ لا. وكان يسمّى الصادق الأمين قبل النبوّة من صدقه.
فقالت قريش للوليد : فما هو؟
فتفكّر في نفسه ثمّ نظر وعبس فقال : ما هو إلّا ساحر. أما رأيتموه يفرّق بين الرجل وأهله وولده ومواليه ، فهو ساحر. وما الّذي يقوله إلّا سحر يأثره عن مسيلمة وعن أهل بابل. ففرحوا بقوله. فقال سبحانه تهديدا للوليد : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً)
حال من الياء ، أي : ذرني وحدي معه ، فإنّي أجزيك في الانتقام منه عن كلّ منتقم ، فأكفيكه. أو من التاء ، أي : ومن خلقته وحدي لم يشركني في خلقه أحد. أو من العائد المحذوف ، أي : من خلقته فريدا لا مال له ولا ولد ، فإنّه كان ملقّبا بالوحيد ، فسمّاه الله به تهكّما ، وتغييرا له عن الغرض الّذي كانوا يؤمّونه ـ من مدحه والثناء عليه بأنّه وحيد قومه ، لرئاسته ويساره وتقدّمه في الدنيا ـ إلى وجه الذمّ والعيب ، وهو أنّه خلق وحيدا لا مال له ولا ولد ، فآتاه الله ذلك ، فكفر بنعمة الله وأشرك به ، واستهزأ بدينه. أو أراد أنّه وحيد ولكن في الشرارة ، أو عن أبيه ، لأنّه كان زنيما (١).
(وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً) مبسوطا كثيرا ، أو ممدّا بالنماء. من : مدّ النهر ومدّ نهره آخر. قيل : كان له الضرع والزرع والتجارة. وعن ابن عبّاس : هو ما كان له بين مكّة والطائف من صنوف الأموال. وقيل : الممدود الكثير الّذي لا تنقطع غلّته عنه
__________________
(١) الزنيم : الدعيّ ، أي : اللاحق بقوم ليس منهم.