يكون فيه سواران : سوار من ذهب ، وسوار من فضّة. ويجوز أن يكون بالتبعيض ، فإنّ حليّ أهل الجنّة تختلف باختلاف أعمالهم ، فلعلّه تعالى يفيض عليهم جزاء لما عملوه بأيديهم حليّا وأنوارا تتفاوت تفاوت الذهب والفضّة. ويمكن أن تكون الجملة حالا من الضمير في «عاليهم» بإضمار «قد». وعلى هذا يجوز أن يكون هذا للخدم ، وذلك للمخدومين.
(وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) نوعا آخر من الشراب يفوق على النوعين المتقدّمين ، ولذلك أسند سقيه إلى الله عزوجل. ووصفه بالطهور مبالغة ، ليدلّ على أنّه ليس برجس كخمر الدنيا ، لأنّ كونها رجسا بالشرع لا بالعقل ، وليست الدار دار تكليف. أو لأنّه لم يعصر فتمسّه الأيدي الوضرة (١) ، وتدوسه الأقدام الدنسة ، ولم يجعل في الدنان والأباريق الّتي لم يعن بتنظيفها. أو لأنّه لا يئول إلى النجاسة ، لأنّه يرشّح عرقا من أبدانهم له ريح كريح المسك.
وقيل : طهوريّته من حيث إنّه يطهّر شاربه عن الرذائل الخسيسة ، والميل إلى اللذّات الحسيّة ، والركون إلى ما سواه ، فيتجرّد شاربه بالتوجّه التامّ إليه ، ملتذّا به فارغا عن غيره. وهذا منتهى درجات الصدّيقين ، ولأجل أنّ هذا أعظم نعم الجنّة ختم به ثواب الأبرار.
(إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً) على إضمار القول ، أي : يقال لأهل الجنّة : إنّ هذا.
وهذا إشارة إلى ما عدّ من ثوابهم. (وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) أي : مجازى عليه غير مضيّع ، فإنّ الشكر هاهنا مجاز عن الإثابة التامّة.
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (٢٤) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٢٥) وَمِنَ
__________________
(١) أي : الوسخة. من : وضر وضرا ، كان وسخا ، فهو : وضر.