وروي : أنّهم مع إفراطهم في العداوة والإيذاء له ولمن معه ، يدعونه إلى أنّه يرجع عن أمره ، ويبذلون له أموالهم ، وتزويج أكرم بناتهم إن أجابهم. فأمر صلىاللهعليهوآلهوسلم بالصبر على الإيذاء ، ونهي عن إطاعة الكفرة فيما يرتكبون من المآثم ويدعونه إليه.
وقيل : الآثم : عتبة ، والكفور : الوليد ، لأنّ عتبة كان ركّابا للمآثم ، متعاطيا لأنواع الفسوق. وكان الوليد غاليا في الكفر ، شديد الشكيمة في العتوّ. وإنّما قال : «أو» ولم يقل بالواو العاطفة ، ليكون نهيا عن إطاعتهما جميعا ، لأنّه لو قال : ولا تطعهما ، لجاز أن يطيع أحدهما ، وإذا قيل : ولا تطع أحدهما ، علم أنّ الناهي عن طاعة أحدهما عن طاعتهما جميعا أنهى ، كما إذا نهي أن يقول لأبويه : أفّ ، علم أنّه منهيّ عن ضربهما على طريق الأولى.
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً) أوّل النهار (وَأَصِيلاً) وعشيّا ، وهو أصل الليل.
والمعنى : أقبل على شأنك من ذكر الله والدعاء إليه وتبليغ الرسالة صباحا ومساء ، أي : دائما ، فإنّ الله ناصرك ومؤيّدك ومعينك. أو دم على صلاة الفجر والظهر والعصر ، فإنّ الأصيل يتناول وقتيهما.
(وَمِنَ اللَّيْلِ) للتبعيض ، لأنّه لم يأمره بقيام الليل كلّه. والمعنى : وبعض الليل (فَاسْجُدْ لَهُ) فصلّ له. يعني : صلاة المغرب والعشاء. وتقديم الظرف لما في صلاة الليل من مزيد الكلفة والخلوص.
(وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) وتهجّد له طائفة طويلة من الليل : ثلثيه ، ونصفه ، وثلثه. وقيل : يريد التطوّع بعد المكتوبة. ويؤيّد الأوّل ما روي عن الرضا عليهالسلام أنّه سأله أحمد بن محمد عن هذه الآية وقال : «ما ذلك التسبيح؟ قال : صلاة الليل».
(إِنَّ هؤُلاءِ) الكفرة (يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) يؤثرون اللذّات والمنافع العاجلة في دار الدنيا ، كقوله : (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) (١) (وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ) أمامهم ، أو
__________________
(١) الأعلى : ١٦.