خلف ظهورهم ، لا يعبئون به (يَوْماً ثَقِيلاً) عسيرا ، وشديدا هوله. مستعار من الشيء الثقيل الشاقّ الباهظ لحامله. ونحوه : (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١). وهو كالتعليل لما أمر به ونهى عنه. والمعنى : أنّهم لا يؤمنون به ولا يعملون له.
(نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ) وأحكمنا ربط مفاصلهم وعظامهم بالأعصاب الّتي توصل بعضها ببعض ، فإنّ الأسر الربط والتوثيق. ومنه : أسر الرجل إذا أوثق بالقدّ (٢) ، وهو الإسار. وفرس مأسور الخلق ، وترس مأسور بالعقب ، أي : مربوط. ولو لا إحكامه إيّاها على هذا النظام لما أمكن العمل بها والانتفاع منها.
وقيل : معناه : كلّفناهم وشددناهم بالأمر والنهي كيلا يجاوزوا حدود الله ، كما يشدّ الأسير بالقيد لئلّا يهرب.
(وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً) وإذا أردنا أهلكناهم وبدّلنا أمثالهم في الخلقة وشدّة الأسر. يعني : النشأة الثانية ، ولذلك جيء بـ «إذا». أو بدّلنا غيرهم ممّن يطيع ، ولكن نبقيهم إتماما للحجّة. وعلى هذا ؛ حقّه أن يجيء بـ «إن» لا بـ «إذا» لأنّه غير محقّق ، كقوله : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) (٣) (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) (٤) ، لكن جيء بـ «إذا» لتحقّق القدرة والقوّة الداعية.
(إِنَّ هذِهِ) إشارة إلى السورة أو الآيات القريبة (تَذْكِرَةٌ) تذكير يتذكّر به أمر الآخرة (فَمَنْ شاءَ) فمن اختار الخير لنفسه (اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ) إلى رضا ربّه (سَبِيلاً) تقرّب إليه بالطاعة والتوسّل إليه بالعبادة.
(وَما تَشاؤُنَ) أيّها المعاندون المكذّبون اتّخاذ الطريق إلى مرضاة الله
__________________
(١) الأعراف : ١٨٧.
(٢) القدّ : السير يقدّ من جلد.
(٣) محمد : ٣٦.
(٤) إبراهيم : ١٩.