وقوله : (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) (١). (فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) نحن عليه. ولا يخفى أنّ في خلق الإنسان على هذا الكمال من الحواسّ الصحيحة والعقل الشريف والتمييز والنطق من ماء ضعيف ، أعظم الاعتبار وأبين الحجّة على أنّ له صانعا قادرا مدبّرا حكيما ، والجاحد لذلك كالمكابر لبداهة العقول. (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بقدرتنا على ذلك ، أو على الإعادة.
(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً) كافتة. اسم لما يكفت ، أي : يضمّ ويجمع ، كالضمام والجماع لما يضمّ ويجمع. يقال : هذا الباب جماع الأبواب. أو مصدر نعت به. أو جمع كافت ، كصائم وصيام. أو جمع كفت ، وهو الوعاء.
(أَحْياءً وَأَمْواتاً) منتصبان على المفعوليّة ، كأنّه قيل : كافتة أحياء وأمواتا ، أي : جامعة إيّاهما. أو بفعل مضمر يدلّ عليه «كفاتا» ، وهو : تكفت. والمعنى : تكفت أحياء على ظهرها ، وأمواتا في بطنها. وتنكيرهما للتفخيم ، كأنّه قيل : تكفت أحياء لا يعدّون ، وأمواتا لا يحصرون. أو لإفادة التبعيض ، لأنّ أحياء الإنس وأمواتهم بعض الأحياء والأموات. أو على الحاليّة من مفعول «كفاتا» المحذوف ، وهو الإنس ، لأنّه قد علم أنّها كفات الإنس. أو منتصبان بـ «نجعل» على المفعوليّة ، و «كفاتا» حال. والمعنى : نجعلها ما ينبت وما لا ينبت حال كونها كافتة لهما.
(وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ) جبالا ثوابت طوالا (وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) بخلق الأنهار والمنابع فيها. وتنكير الثلاثة للتفخيم ، وإشعارا بأنّ فيها ما لم يعرف ولم ير ، لأنّ في السماء جبالا ، قال الله تعالى : (مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) (٢). وفيها ماء فرات أيضا ، بل هي معدنه ومصبّه. (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بأمثال هذه النعم.
__________________
(١) عبس : ١٩.
(٢) النور : ٤٣.