(انْطَلِقُوا) أي : يقال لهم : انطلقوا (إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) من العذاب (انْطَلِقُوا) خصوصا. وعن يعقوب : انطلقوا ، على الإخبار من امتثالهم للأمر ، لأنّهم مضطرّون إليه لا يستطيعون امتناعا منه. (إِلى ظِلٍ) أي : ظلّ دخان جهنّم ، كقوله :
(وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) (١). (ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) يتشعّب لعظمه ، كما ترى الدخان العظيم يتفرّق تفرّق الذوائب.
وقيل : يخرج لسان من النار فيحيط بالكفّار كالسّرادق ، ويتشعّب من دخانها ثلاث شعب ، فتظلّهم حتّى يفرغ من حسابهم ، والمؤمنون في ظلّ العرش.
وخصوصيّة الثلاث إمّا لأنّ حجاب النفس عن أنوار القدس : الحسّ ، والخيال ، والوهم. أو لأنّ المؤدّي إلى العذاب هو القوّة الواهمة الحالّة في الدماغ ، والغضبيّة الّتي في يمين القلب ، والشهويّة الّتي في يساره. ولذلك قيل : شعبة تقف فوق الكافر ، وشعبة عن يمينه ، وشعبة عن يساره.
(لا ظَلِيلٍ) أي : غير مانع من الأذى بستره عنه. ومثله : الكنين. فالظليل من الظلّة ، وهي السترة ، والكنين من الكنّ (٢). وفيه تهكّم بهم وتعريض بأن ظلّهم غير ظلّ المؤمنين ، وردّ لما أوهم لفظ الظلّ. (وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ) في محلّ الجوّ ، أي : غير مغن عنهم من حرّ اللهب شيئا. وهو ما يعلو على النار إذا اضطرمت من أحمر وأصفر وأخضر. يعني : أنّهم إذا استظلّوا بذلك الظلّ لم يدفع عنهم حرّ اللهب.
ثمّ وصف النار بقوله : (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) وهو ما يتطاير من النار في الجهات ، أي : كلّ شرارة كالقصر من القصور في عظمها. وقيل : هو جمع قصرة ، وهي الشجرة العظيمة الغليظة ، نحو : جمرة وجمر. (كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ) جمع
__________________
(١) الواقعة : ٤٣.
(٢) الكنّ : البيت ، وقاء كلّ شيء وستره.