(إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً) موضع رصد يرصد فيه خزنة النار الكفّار ، أو خزنة الجنّة المؤمنين ، ليحرسوهم من فيحها في مجازهم عليها. كالمضمار ، فإنّه الموضع الّذي تضمّر (١) فيه الخيل. أو محدّة في ترصّد الكفرة لئلّا يشذّ منها واحد.
وقيل : الطريق المعلم الّذي يرتصدون فيه.
(لِلطَّاغِينَ مَآباً) مرجعا ومأوى (لابِثِينَ فِيها) وقرأ حمزة وروح : لبثين.
وهو أبلغ وأقوى ، لأنّ اللابث من وجد منه اللبث ، ولا يقال : لبث إلّا لمن شأنه اللبث ، كالّذي يجثم (٢) بالمكان لا يكاد ينفكّ منه. (أَحْقاباً) حقب بعد حقب ، كلّما مضى حقب تبعه آخر إلى غير نهاية. ولا يكاد يستعمل الحقب والحقبة إلّا حيث يراد تتابع الأزمنة وتواليها. والاشتقاق يشهد لذلك. ألا ترى إلى حقيبة الراكب والحقب الّذي وراء التصدير ، فإنّ الحقيبة حبل يشدّ به الرحل إلى بطن البعير ، والتصدير : الحزام ، وهو في صدر البعير.
وما قيل عن قتادة : أنّ الحقب ثمانون سنة من سنيّ الآخرة. وعن الحسن : سبعون ألف سنة ، كلّ يوم من تلك السنين ألف سنة ممّا تعدّون. وعن مجاهد : أنّ الحقب ثلاثة وأربعون حقبا ، كلّ حقب سبعون خريفا ، كلّ خريف سبعمائة سنة ، كلّ سنة ثلاثمائة وستّون يوما ، وكلّ يوم ألف سنة. وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا يخرج من النار من دخلها حتّى يمكث فيها أحقابا ، والحقب بضع وستّون سنة ، والسنة ثلاثمائة وستّون يوما ، كلّ يوم ألف سنة ممّا تعدّون».
لا يدلّ (٣) على تناهي تلك الأحقاب ، لجواز أن يكون المراد أحقابا مترادفة
__________________
(١) ضمّر الفرس : صيّره ضامرا ، وذلك بأن يربطه ويكثر ماءه وعلفه حتّى يسمن ، ثمّ يقلّل ماءه وعلفه مدّة ويركضه في الميدان حتّى يهزل.
(٢) جثم الرجل : تلبّد بالأرض ، أي : لزمها ولزق بها وأقام فيها.
(٣) خبر لقوله : وما قيل ... في بداية الفقرة السابقة.