في قراءة ابن عامر وعاصم ويعقوب برفع «الرحمن» وحده ، على أنّه خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو الرّحمن ، أو مبتدأ خبره (لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً). وعلى قراءة الحجازيّين «لا يملكون» خبر «ربّ السموات». أو خبره «الرحمن» و «لا يملكون» خبر بعد خبر.
وضمير الجمع لأهل السماوات والأرض ، أي : لا يملكون خطابه والاعتراض عليه في أمر الثواب والعقاب ، لأنّهم مملوكون له على الإطلاق ، فلا يستحقّون عليه اعتراضا في الزيادة والنقص. أو لا يملكون أن يخاطبوه بشيء من نقص العذاب أو زيادة في الثواب إلّا أن يأذن لهم فيه ، كما قال تقريرا وتوكيدا لذلك :
(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ) ظرف لـ «لا يملكون» أو لـ «يتكلّمون».
والروح : ملك موكّل على الأرواح ، أو جنسها ، أو جبرئيل. وعن ابن عبّاس : ملك أعظم من الملائكة وأشرف منهم ، وأقرب من ربّ العالمين ، ما خلق الله بعد العرش خلقا أعظم منه ، فإذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفّا ، وقامت الملائكة كلّهم صفّا ، فيكون عظم خلقه مثل صفّهم.
وعن وهب : أنّ جبرئيل واقف بين يدي الله عزوجل ترتعد فرائصه ، يخلق الله عزوجل من كلّ رعدة مائة ألف ملك ، فالملائكة صفوف بين يدي الله عزوجل منكّسوا رؤوسهم ساكتين ، فإذا أذن الله لهم في الكلام قالوا : لا إله إلّا أنت.
وذلك معنى قوله : (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) في الكلام (وَقالَ صَواباً) أي : شهد بالتوحيد. أو إلّا لمن أذن له في الشفاعة ، فيشفع لمن ارتضى لا لغيره ، لقوله : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) (١).
وملخّص المعنى : أنّ هؤلاء الّذين هم أفضل الخلائق وأشرفهم وأقربهم من الله ، إذا لم يقدروا أن يتكلّموا بين يديه بما يكون صوابا ـ كالشفاعة لمن ارتضى ـ إلّا
__________________
(١) الأنبياء : ٢٨.