ولمّا ختم الله سبحانه سورة النبأ بذكر أحوال القيامة وأهوالها ، افتتح هذه السورة بمثله ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَالنَّازِعاتِ) أقسم سبحانه بملائكة الموت حين ينزعون أرواح الكفّار من أبدانهم (غَرْقاً) أي : إغراقا في النزع ، فإنّهم ينزعونها من أقاصي الأبدان ، من أناملها وأظفارها وجلودها. أو نفوسا غرقة في الأجساد.
(وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً) ينشطون ، أي : يخرجون أرواح المؤمنين برفق ، كما ينشط العقال من يد البعير. من : نشط الدلو من البئر إذا أخرجها.
(وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً) يسبحون في إخراجها سبح الغوّاص الّذي يخرج الشيء من أعماق البحر.
(فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً) فيسبقون بأرواح الكفّار إلى النار ، وبأرواح المؤمنين إلى الجنّة.
(فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) فيدبّرون أمر عقابهم وثوابهم ، بأن يهيّؤها لإدراك ما أعدّ لها من الآلام واللذّات.
وقيل : النزع والنشط لملائكة الموت ، والبواقي لطوائف من الملائكة يسبحون في مضيّها ، أي : يسرعون فيه ، فيسبقون إلى ما أمروا به ، فيدبّرون أمرا من أمور العباد ممّا يصلحهم في دنياهم أو دينهم كما رسم لهم.
وقد ورد أنّ جبرئيل وميكائيل وملك الموت وإسرافيل يدبّرون أمور الدنيا.
أمّا جبرئيل فموكّل بالرياح والجنود. وأمّا ميكائيل فموكّل بالقطر والنبات. وأمّا ملك الموت فموكّل بقبض الأنفس. وأمّا إسرافيل فهو يتنزّل بالأمر.
أو الكلّ صفات أنفس الغزاة أو أيديهم ، تنزع القسيّ بإغراق السهام ، وينشطون بالسهم للرمي ، ويسبحون في البرّ والبحر ، فيسبقون إلى حرب العدوّ بالعدو التمام ، فيدبّرون أمرها.