(أَوْ يَذَّكَّرُ) يتّعظ بما يعلّمه من مواعظ القرآن (فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) فتنفعه موعظتك ، وتكون له لطفا في بعض الطاعات. والمعنى : إنّك لا تدري ما هو مترقّب منه من تزكّ أو تذكّر ، ولو دريت لما فرط منك ذلك. قالوا : وفي هذا لطف من الله عظيم لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إذ لم يخاطبه في باب العبوس ، فلم يقل : عبست ، فلمّا جاوز العبوس عاد إلى الخطاب وقال : وما يدريك.
وقيل : الضمير في «لعلّه» للكافر ، أي : إنّك طمعت في أن يتزكّى بالإسلام ، أو يتذكّر فتقرّبه الذكرى إلى قبول الحقّ ، ولذلك أعرضت عن غيره ، فما يدريك أنّ ما طمعت فيه كائن. وقرأ عاصم بالنصب جوابا لـ «لعلّ» ، كقوله : (فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) (١).
(أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى) بكثرة الأموال والخدم والحشم (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) تتعرّض بالإقبال عليه. والمصاداة : المعارضة. وأصله : تتصدّى. وقرأ ابن كثير ونافع : تصدّى.
(وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) وليس عليك باس في أن لا يتزكّى بالإسلام ، حتّى يبعثك الحرص على إسلامه إلى الإعراض. أو أيّ شيء يلزمك إن لم يسلم ، فإنّه ليس عليك إلّا البلاغ.
(وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى) يسرع طالبا للخير (وَهُوَ يَخْشى) يخشى الله ، أو يخشى أذيّة الكفّار في إتيانك ، أو عثرة الطريق ، لأنّه أعمى لا قائد له (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) تتشاغل. يقال : لها عنه والتهى وتلهّى. ولعلّ ذكر التصدّي والتلهّي للإشعار بأنّ العتاب على اهتمام قلبه بالغنيّ وتلهّيه عن الفقير. وفي تكرير ضمير الخطاب إفادة الاختصاص. ومعناه : مثلك خصوصا لا ينبغي أن يتصدّى للغنيّ ويتلهّى عن الفقير.
__________________
(١) غافر : ٣٧.