روي : أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان بعد نزول هذه الآيات يكرم ابن مكتوم ، ويقول إذا رآه : مرحبا بمن عاتبني فيه ربّي. ويقول له : هل لك من حاجة؟ واستخلفه على المدينة مرّتين.
وقال أنس : رأيته يوم القادسيّة ـ وهو يوم فتح المدائن بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وعليه درع ، وله راية سوداء.
وروي عن الصادق عليهالسلام أنّه قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا رأى عبد الله بن أمّ مكتوم قال : مرحبا مرحبا لا والله لا يعاتبني الله فيك أبدا».
وروي : أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ما عبس بعدها في وجه فقير قطّ ، ولا تصدّى لغنيّ. ولقد تأدّب الناس بأدب الله ورسوله في هذا تأدّبا حسنا ، فقد روي عن سفيان الثوري : أنّ الفقراء كانوا في مجلسه أمراء.
واعلم أنّ علم الهدى قدّس الله روحه أنكر أن يكون المعاتب في هذه الآيات هو النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم. وقال في تنزيه الأنبياء : «ليس في ظاهر الآية دلالة على توجّهها إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل هو خبر محض لم يصرّح بالمخبر عنه. وفيها ما يدلّ على أن المعنيّ بها غيره ، لأنّ العبوس ليس من صفات النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مع الأعداء المباينين ، فضلا عن المؤمنين المسترشدين. ثمّ الوصف بأنّه يتصدّى للأغنياء ويتلهّى عن الفقراء لا يشبه أخلاقه الكريمة.
ويؤيّد هذا القول قوله سبحانه في وصفه عليهالسلام : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (١).
وقوله : (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (٢). فالظاهر أنّ قوله : «عبس وتولّى» المراد به غيره. وقد روي عن الصادق عليهالسلام أنّها نزلت في رجل من بني أميّة كان عند النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فجاء ابن أمّ مكتوم ، فلمّا رآه تقذّر منه وجمع نفسه وعبس وأعرض بوجهه ، فحكى الله سبحانه ذلك وأنكره عليه.
__________________
(١) القلم : ٤.
(٢) آل عمران : ١٥٩.