بعده. وهو جواب «إذا» وعاملها.
وعن عبد الله بن مسعود أنّه قال : ما قدّمت من خير أو شرّ ، وما أخّرت من سنّة حسنة استنّ بها بعده ، فله أجر من اتّبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، أو سنّة سيّئة عمل بها بعده ، فعليه وزر من عمل بها ، ولا ينقص من أوزارهم شيء.
ويؤيّد هذا القول ما جاء في الحديث : «أن سائلا قام على عهد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فسأل ، فسكت القوم ، ثمّ إنّ رجلا أعطاه ، فأعطاه القوم أيضا. فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : من استنّ خيرا فاستنّ به فله أجوره ومثل أجور من اتّبعه غير منتقص من أجورهم ، ومن استنّ شرّا فاستنّ به فعليه وزره ومثل أوزار من اتّبعه غير منتقص من أوزارهم». قال : فتلا حذيفة بن اليمان : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ). وتفصيل ذلك تقدّم (١) في قوله : (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ).
(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) أيّ شيء خدعك وجرّأك على عصيانك بربّك. وإنّما وصف ذاته بين الصفات بالكرم في بيان إنكار الاغترار به ، وإنّما يغترّ بالكريم – كما يروى عن عليّ عليهالسلام أنّه صاح بغلام له كرّات فلم يلبّه ، فنظر فإذا هو بالباب ، فقال له : مالك لم تجبني؟ قال : لثقتي بحلمك ، وأمني من عقوبتك. فاستحسن جوابه وأعتقه. وقد قالوا : من كرم الرجل سوء أدب غلمانه ـ للمبالغة في المنع عن الاغترار ، فإنّ محض الكرم لا يقتضي إهمال الظالم ، وتسوية الموالي والمعادي والمطيع والعاصي ، فكيف إذا انضمّ إليه صفة القهر والانتقام. وللإشعار بما به يغرّه الشيطان ، فإنّه يقول له : افعل ما شئت ، فربّك كريم لا يعذّب أحدا ، ولا يعاجل بالعقوبة. وللدلالة على أنّ كثرة كرمه تستدعي الجدّ في طاعته ، لا الانهماك في عصيانه اغترارا بكرمه.
فملخّص المعنى : أنّ حقّ الإنسان أن لا يغترّ بتكرّم الله عليه ، حيث خلقه
__________________
(١) راجع ص ٢٥٧ ، ذيل الآية (١٣) من سورة القيامة.