حيّا لينفعه ، وبتفضّله عليه بذلك ، حتّى يطمع ـ بعد ما مكّنه وكلّفه ، فعصى وكفر النعمة المتفضّل بها ـ أن يتفضّل عليه بالثواب وطرح العقاب ، اغترارا بالتفضّل الأوّل ، فإنّه منكر خارج من حدّ الحكمة. ولهذا
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا تلاها : «غرّه جهله».
وقال الحسن : غرّه والله شيطانه الخبيث ، أي : زيّن له المعاصي ، وقال له : افعل ما شئت ، فربّك الكريم الّذي تفضّل عليك بما تفضّل به أوّلا ، وهو متفضّل عليك آخرا ، حتّى ورّطه.
وقيل للفضيل بن عياض : إن أقامك الله يوم القيامة وقال لك : (ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) ماذا تقول؟ قال : أقول : غرّتني ستورك المرخاة.
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : «كم مغرور بالستر عليه ، ومستدرج بالإحسان إليه».
وقال يحيى بن معاذ : لو أقامني الله بين يديه فقال : ما غرّك بي؟ قلت : غرّني بك برّك بي سابقا وآنفا.
وعن بعضهم قال : غرّني حلمك.
وعن أبي بكر الورّاق : غرّني كرم الكريم.
وهذه الأقوال على سبيل الاعتراف بالخطإ في الاغترار بالستر. وليس باعتذار كما يظنّه الطمّاع ، ويظنّ به قصّاص الحشويّة ، ويروون عن شيوخهم إنّما قال : «بربّك الكريم» دون سائر صفاته ، ليلقّن عبده الجواب حتّى يقول : غرّني كرم الكريم.
ثمّ ذكر سبحانه صفة ثانية لذاته ، مقرّرة لربوبيّته ، مبيّنة لكرمه الّذي يقتضي امتثال أمره ونهيه ، فقال :
(الَّذِي خَلَقَكَ) من نطفة ، ولم تك شيئا (فَسَوَّاكَ) فجعلك سويّا سالم الأعضاء لتكون معدّة لمنافعها (فَعَدَلَكَ) فصيّرك معتدلا متناسب الأعضاء من غير