ثمّ حقّق تكذيبهم بالجزاء ، وردّ ما يتوقّعون من التسامح والإهمال ، فقال :
(وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ * كِراماً كاتِبِينَ) أي : إنّكم تكذّبون بالجزاء اغترارا بالتسامح ، وقد وكّل عليكم الملائكة الحافظون أعمالكم المكرّمون عند الله (يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) فيكتبون أعمالكم لتجاوزوا بها. وفي تعظيم الكتبة بالثناء عليهم تعظيم لأمر الجزاء ، وأنّه عند الله من جلائل الأمور ، ولو لا ذلك لما وكّل بضبط ما يحاسب عليه ويجازي به الملائكة الكرام الحفظة.
وفيه إنذار وتهويل وتشوير (١) للعصاة ، ولطف للمؤمنين. وعن الفضيل : أنّه كان إذا قرأها قال : ما أشدّها من آية على الغافلين. وفي الآية دلالة على أنّ أفعال العباد حادثة من جهتهم ، وأنّهم المحدثون لها دونه تعالى ، وإلّا فلا يصحّ قوله : «ما تفعلون».
ثمّ بيّن ما يكتبون لأجله بقوله : (إِنَّ الْأَبْرارَ) المحسنين المطيعين لله في الدنيا (لَفِي نَعِيمٍ) وهو الجنّة (وَإِنَّ الْفُجَّارَ) الكفّار المكذّبين (لَفِي جَحِيمٍ) وهو العظيم من النار (يَصْلَوْنَها) يلزمونها ويقاسون حرّها (يَوْمَ الدِّينِ) يوم الجزاء (وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) لخلودهم فيها.
وقيل : معناه : وما يغيبون عنها قبل ذلك في قبورهم ، إذ كانوا يجدون سموم جهنّم في القبور.
وقيل : أخبر الله تعالى في هذه السورة أنّ لابن آدم ثلاث حالات : حال الحياة الّتي يحفظ فيها عمله ، وحال الآخرة الّتي يجازى فيها ، وحال البرزخ ، وهو قوله : (وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ).
ثمّ قال تعجّبا وتفخيما لشأن يوم الجزاء : (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) أي : أمر يوم القيامة ، بحيث لا تدرك دراية كلّ دار كنهه في الهول والشدّة ، وكيفما تصوّرته
__________________
(١) شوّر به : أخجله.