بيّن في هذه السورة أيضا ذكر أحوال الناس في القيامة ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) التطفيف البخس في الكيل والوزن ، لأنّ ما يبخس شيء طفيف ، أي : حقير.
روي : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا قدم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا ، فنزلت ، فأحسنوه.
وقيل : قدمها وبها رجل يعرف بأبي جهينة ، ومعه صاعان : يكيل بأحدهما لغيره ، ويكتال بالآخر لنفسه.
وقيل : كان أهل المدينة تجّارا يطفّفون ، وكانت بياعاتهم المنابذة (١) والملامسة (٢) والمخاطرة (٣) ، فنزلت فيهم. فخرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقرأها عليهم ، وقال : «خمس بخمس. قيل : يا رسول الله وما خمس بخمس؟ قال : ما نقض العهد قوم إلّا سلّط الله عليهم أعداءهم ، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلّا فشا فيهم الفقر ، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلّا فشا فيهم الموت ، وما طفّفوا الكيل إلّا منعوا النبات وأخذوا بالسنين ، ولا منعوا الزكاة إلّا حبس عنهم القطر».
وعن عليّ عليهالسلام أنّه مرّ برجل يزن الزعفران وقد أرجح ، فقال له : «أقم الوزن بالقسط ، ثمّ أرجح بعد ذلك ما شئت».
كأنّه أمره بالتسوية أوّلا ليعتادها ، ويفصل الواجب من النفل.
وعن ابن عبّاس : إنّكم معشر الأعاجم وليتم أمرين بهما هلك من كان قبلكم : المكيال ، والميزان. وخصّ الأعاجم لأنّهم يجمعون الكيل والوزن جميعا. وقيل : كان أهل مكّة يزنون ، وأهل المدينة يكيلون.
__________________
(١) كان في الجاهليّة يحضر الرجل قطيع الغنم ، فينبذ الحصاة ويقول لصاحب الغنم : إنّ ما أصاب الحجر فهو لي بكذا ، وكانوا يدعون هذا البيع : بيع المنابذة.
(٢) الملامسة في البيع أن تقول : إذا لمست ثوبك أو لمست ثوبي فقد وجب البيع بكذا.
(٣) خاطره على كذا : راهنه.