وعن ابن عمر : أنّه كان يمرّ بالبائع فيقول له : اتّق الله وأوف الكيل ، فإنّ المطفّفين يوقفون يوم القيامة لعظمة الرحمن ، حتّى إنّ العرق ليلجمهم.
وعن عكرمة : أشهد أنّ كلّ كيّال ووزّان في النار. فقيل له : إنّ ابنك كيّال أو وزّان. فقال : أشهد أنّه في النار.
وعن أبيّ : لا تلتمس الحوائج ممّن رزقه في رؤوس المكاييل وألسن (١) الموازين.
(الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ) أي : اكتالوا لأنفسهم من الناس حقوقهم (يَسْتَوْفُونَ) يأخذونها وافية. ولمّا كان اكتيالهم من الناس اكتيالا يضرّهم ويتحامل فيه عليهم ، أبدل «على» مكان «من» للدلالة على ذلك. ويجوز أن يتعلّق «على» بـ «يستوفون» ، ويقدّم المفعول على الفعل لإفادة التخصيص ، أي : يستوفون على الناس خاصّة ، فأمّا أنفسهم فيستوفون لها. وإنّما لم يذكر : اتّزنوا ، كما قال : (أَوْ وَزَنُوهُمْ) لأنّ المطفّفين كانوا لا يأخذون ما يكال ويوزن إلّا بالمكاييل دون الموازين ، لتمكّنهم بالاكتيال من الاستيفاء والسرقة ، لأنّهم يدعدعون (٢) ويحتالون في الملء ، وإذا أعطوا كالوا ووزنوا ، لتمكّنهم من البخس في النوعين جميعا.
(وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ) أي : إذا كالوا للناس أو وزنوا لهم (يُخْسِرُونَ) ينقصون. يقال : خسر الميزان وأخسره. فحذف الجارّ وأوصل الفعل ، كقوله : ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا (٣). بمعنى : جنيت لك. أو كالوا مكيلهم وموزونهم ، فحذف
__________________
(١) لسان الميزان : شيء في قائمة الميزان ـ وهي الّتي تعلّق بها كفّتاه ـ يشبه اللسان.
(٢) دعدع المكيال : هزّه ليسع الشيء.
(٣) أكمو جمع كمء : جنس فطر من فصيلة الكمئيّات ، يعيش تحت الأرض ، لونه يميل إلى الغبرة ، يهيّأ منه طعام لذيذ. والعسقل : جزء من ساق نباتيّة أو من جذر نباتي ، يحتوي على موادّ غذائيّة مكتنزة. والجمع : العساقل.