ولمّا ختم الله سورة المطفّفين بذكر أحوال القيامة ، افتتح هذه السورة بمثل ذلك ، فاتّصلت بها اتّصال النظير بالنظير ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) تصدّعت وانفرجت بالغمام ، كقوله تعالى : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) (١). وعن عليّ عليهالسلام : «تنشقّ من المجرّة». وهي طريق ممتدّ في السماء. وانشقاقها من آيات القيامة.
(وَأَذِنَتْ لِرَبِّها) واستمعت له ، أي : انقادت لتأثير قدرته حين أراد انشقاقها ، انقياد المطواع الّذي إذا ورد عليه الأمر من جهة المطاع أنصت له وأذعن ولم يأب ولم يمتنع ، كقوله : (أَتَيْنا طائِعِينَ) (٢). (وَحُقَّتْ) وجعلت حقيقة بالاستماع والانقياد. يقال : حقّ بكذا ، فهو محقوق وحقيق به. يعني : هي حقيقة بأن تنقاد ولا تمتنع. ومعناه : الإيذان بأنّ القادر بالذات يجب أن يتأتّى له كلّ مقدور ، ويحقّ ذلك.
(وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) بسطت. من : مدّ الشيء فامتدّ. وهو أن تزال جبالها وآكامها وكلّ أمت (٣) فيها ، حتّى تمتدّ وتنبسط ويستوي ظهرها ، كما قال تعالى :
(قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) (٤). وعن ابن عبّاس : مدّت مدّ الأديم العكاظي ، لأنّ الأديم إذا مدّ زال كلّ انثناء فيه وأمت واستوى. أو من : مدّه بمعنى : أمدّه ، أي : زيدت سعة وبسطة.
(وَأَلْقَتْ) ورمت (ما فِيها) ما في جوفها ممّا دفن فيها من الأموات والكنوز ، كقوله : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) (٥) (وَتَخَلَّتْ) وخلت غاية الخلوّ ،
__________________
(١) الفرقان : ٢٥.
(٢) فصّلت : ١١.
(٣) الأمت : المكان المرتفع.
(٤) طه : ١٠٦ ـ ١٠٧.
(٥) الزلزلة : ٢.