حتّى كأنّها تكلّفت في الخلوّ أقصى جهدها ، فلم يبق شيء في باطنها ، كما يقال : تكرّم الكريم وترحّم الرحيم ، إذا بلغا جهدهما في الكرم والرحمة ، وتكلّفا فوق ما في طبعهما.
(وَأَذِنَتْ لِرَبِّها) في إلقاء ما في بطنها وتخلّيها (وَحُقَّتْ) للإذن. وليس هذا بتكرير ، لأنّ الأوّل في صفة السماء ، والثاني في صفة الأرض. وهذا كلّه من أشراط الساعة وجلائل الأمور الّتي تكون فيها. وتكرير «إذا» لاستقلال كلّ من الجملتين بنوع من القدرة. وجوابه محذوف ، للتهويل بالإبهام ، أو الاكتفاء بما علم في مثلها من سورتي التكوير والانفطار.
وقيل : الجواب : لاقى الإنسان كدحه ، فإنّه مدلول قوله : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ) خطاب لجميع المكلّفين (إِنَّكَ كادِحٌ) جاهد في أعمال الخير والشرّ ، وكادّ وساع فيها بالمشقّة العظيمة (إِلى رَبِّكَ) وهو الموت وما بعده من الأحوال الممثّلة باللقاء (كَدْحاً) جهدا يؤثّر فيك. من : كدح جلده إذا خدشه. (فَمُلاقِيهِ) فملاق له لا محالة ، ولا مفرّ لك منه. وقيل : الضمير للكدح.
(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) سهلا هيّنا ، ولا يعترض بما يسوءه ويشقّ عليه ، ولا يناقش فيه كما يناقش أصحاب الشمال.
وعن عائشة : هو أن يعرّف ذنوبه ثمّ يتجاوز عنه. وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «من يحاسب يعذّب. فقيل : يا رسول الله فسوف يحاسب حسابا يسيرا. قال : ذلكم العرض ، من نوقش في الحساب عذّب».
(وَيَنْقَلِبُ) بعد الفراغ من الحساب (إِلى أَهْلِهِ) إلى عشيرته المؤمنين ، أو فريق المؤمنين ، أو أهله في الجنّة من الحور العين (مَسْرُوراً) ناعما لا يهمّه أمر الآخرة أصلا.
(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) أي : يؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره.