فأقحموه فيها. فجعلوا يقتحمونها. وجاءت امرأة معها صبيّ ، فتقاعست (١) أن تقع فيها. فقال لها الصبيّ يا أمّه اصبري ، فإنّك على الحقّ ، فاقتحمت. وقيل : قال لها : قعي ولا تنافقي. وقيل : قال الصبيّ : ما هي إلّا غميضة (٢) ، فصبرت» (٣).
وقال ابن المسيّب : كنّا عند عمر بن الخطّاب إذ ورد عليه أنّهم احتفروا فوجدوا ذلك الغلام وهو واضع يده على صدغه ، فكلّما مدّت يده عادت إلى صدغه ، فكتب عمر : واروه حيث وجدتموه.
وروى سعيد بن جبير قال : لمّا انهزم أهل اسفندهان قال عمر بن الخطّاب : ما هم يهود ولا نصارى ، ولا لهم كتاب ، وكانوا مجوسا. فقال عليّ بن أبي طالب عليهالسلام : بلى قد كان لهم كتاب ، ولكنّه رفع. وذلك أنّ ملكا لهم سكر فوقع على ابنته ـ أو قال : على أخته ـ فلمّا أفاق قال لها : كيف المخرج ممّا وقعت فيه؟ قالت له : المخرج أن تجمع أهل مملكتك ، وتخبرهم أنّك ترى نكاح البنات ، وتأمرهم أن يحلّوه. فجمعهم فأخبرهم ، فأبوا أن يتابعوه. فقالت له : ابسط فيهم السوط ، فلم يقبلوا. فقالت له : ابسط فيهم السيف ، فلم يقبلوا. فأمرته بالأخاديد وإيقاد النيران ، وطرح من أبى فيها. فخدّ لهم أخدودا في الأرض ، وأوقد فيه النيران ، وعرّضهم عليها ، فمن أبى قبول ذلك قذفه في النار ، ومن أجاب خلّى سبيله.
وقال الحسن : كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا ذكر عنده أصحاب الأخدود تعوّذ بالله من جهد البلاء.
وروى العيّاشي بإسناده عن جابر ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «أرسل عليّ عليهالسلام إلى أسقف نجران يسأله عن أصحاب الأخدود ، فأخبره بشيء ، فقال عليّ عليهالسلام :
__________________
(١) تقاعس عن الأمر : تأخّر.
(٢) الغميضة تصغير الغمضة ، أي : انطباق الجفن.
(٣) صحيح مسلم ٤ : ٢٢٩٩ ح ٧٣.