ليس كما ذكرت ، ولكن سأخبرك عنهم ، إنّ الله بعث رجلا حبشيّا نبيّا ـ وهم حبشة ـ فكذّبوه ، فقاتلهم فقتلوا أصحابه وأسروه وأسروا أصحابه ، ثمّ بنوا له حيرا (١) ، ثمّ ملؤه نارا ، ثمّ جمعوا الناس ، فقالوا : من كان على ديننا وأمرنا فليعتزل ، ومن كان على دين هؤلاء فليرم نفسه في النار. فجعل أصحابه يتهافتون في النار.
فجاءت امرأة معها صبيّ لها ابن شهر ، فلمّا هجمت على النار هابت ورقّت على ابنها. فناداها الصبيّ : لا تهابي وارمي بي وبنفسك في النار ، فإنّ هذا في الله قليل.
فرمت بنفسها في النار وصبيّها ، وكان ممّن يكلّم في المهد.
وقال مقاتل : كان أصحاب الأخدود ثلاثة : واحد بنجران ، والآخر بالشام ، والآخر بفارس ، حرّقوا بالنار. أمّا الّذي بالشام فهو أنطياخوس الرومي. وأمّا الّذي بفارس فهو بخت نصّر. وأمّا الّذي بأرض العرب فهو يوسف بن ذي نواس. فأمّا من كان بفارس والشام فلم ينزل الله تعالى فيهما قرآنا ، وأنزل في الّذي كان بنجران.
وذلك أنّ رجلين مسلمين ممّن يقرآن الإنجيل ، أحدهما بأرض تهامة ، والآخر بنجران اليمن ، آجر أحدهما نفسه في عمل يعمله ، فجعل يقرأ الإنجيل ، فرأت ابنة المستأجر النور يضيء من قراءة الإنجيل ، فذكرت ذلك لأبيها ، فرمق (٢) حتّى رآه ، فسأله فلم يخبره ، فلم يزل به حتّى أخبره بدين الإسلام ، فتابعه مع سبعة وثمانين إنسانا من رجل وامرأة. وهذا بعد ما رفع عيسى إلى السماء.
فسمع يوسف بن ذي نواس بن شراحيل بن تبّع الحميري ، فخدّ لهم في الأرض وأوقد فيها ، فعرّضهم على اليهوديّة ، فمن أبى قذفه في النار ، ومن رجع عن دين عيسى لم يقذفه فيها. وإنّ امرأة جاءت ومعها ولد صغير لا يتكلّم ، فلمّا قامت على شفير الخندق نظرت إلى ابنها فرجعت. فقال لها : يا أمّاه إنّي أرى
__________________
(١) الحير : الحمى ، أو شبه الحظيرة.
(٢) رمقه : لحظه لحظا خفيفا ، أطال النظر إليه.