(إِرَمَ) عطف بيان لـ «عاد» إيذانا بأنّهم عاد الأولى القديمة. وهذا على تقدير مضاف ، أي : سبط إرم ، أو أهل إرم ، إن صحّ أنّه اسم بلدتهم. وقيل : سمّي أوائلهم ـ وهم عاد الأولى ـ بإرم اسم جدّهم ، ومن بعدهم سمّوا عادا الأخيرة. ومنع صرفه للعلميّة والتأنيث ، باعتبار القبيلة أو البلدة. (ذاتِ الْعِمادِ) ذات البناء الرفيع ، أو القدود (١) الطوال. ومنه قولهم : رجل معمد إذا كان طويلا. ورجل طويل العماد ، أي : القامة. أو ذات الرفعة والثبات.
(الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) صفة اخرى لـ «إرم». والضمير لها ، سواء جعلت اسم القبيلة أو البلدة. والمعنى : لم يخلق مثل عاد في جميع بلاد الدنيا عظم أجرام وقوّة. فقد روي أنّ طول الرجل منهم كان أربعمائة ذراع ، وكان يأتي الصخرة العظيمة فيحملها فيلقيها على الحيّ فيهلكهم. أو لم يخلق مثل مدينة إرم في جميع بلاد الدنيا.
وقيل : كان لعاد ابنان : شدّاد وشديد ، فملكا وقهرا ، ثمّ مات شديد فخلص الأمر لشداد ، وملك المعمورة ، ودانت له ملوكها ، فسمع بذكر الجنّة فبنى على مثالها في بعض صحاري عدن جنّة وسمّاها إرم ، فلمّا تمّ سار إليها بأهله ، فلمّا كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا.
وعن عبد الله بن قلابة : أنّه خرج في طلب إبله فوقع عليها. وقصّة ذلك مفصّلا على ما روى وهب بن منبّه : أنّ عبد الله بن قلابة خرج يوما في طلب إبل له شردت ، فبينا هو في صحاري عدن إذ هو قد وقع على مدينة في تلك الفلوات عليها حصن ، وحول الحصن قصور كثيرة وأعلام طوال.
فلمّا دنا منها ظنّ أنّ فيها أحدا يسأله عن إبله ، فنزل عن دابّته وعقلها ، وسلّ سيفه ودخل من باب الحصن. فلمّا دخل الحصن إذا هو ببابين عظيمين لم ير أعظم
__________________
(١) القدود جمع القدّ : قدر الشيء وتقطيعه.