منهما ، والبابان مرصّعان بالياقوت الأبيض والأحمر. فلمّا رأى ذلك دهش ففتح أحد البابين ، فإذا هو بمدينة لم ير أحد مثلها ، وإذا هو قصور ، كلّ قصر فوقه غرف مبنيّة بالذهب والفضّة واللؤلؤ والياقوت ، وأساطينها من الزبرجد والياقوت ، ومصاريع تلك الغرف مثل مصراع المدينة يقابل بعضها بعضا ، مفروشة كلّها باللآلئ وبنادق من مسك وزعفران.
فلمّا رأى الرجل ما رأى ، ولم ير فيها أحدا هاله ذلك. ثمّ نظر إلى الأزقّة فإذا هو بشجر في كلّ زقاق منها قد أثمرت تلك الأشجار ، وتحت الأشجار أنهار مطّردة ، يجري ماؤها من قنوات من فضّة ، كلّ قناة أشدّ بياضا من الشمس.
فقال الرجل : والّذي بعث محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم بالحقّ ما خلق الله مثل هذه في الدنيا ، وإنّ هذه هي الجنّة الّتي وصفها الله تعالى في كتابه. فحمل معه من لؤلؤها ومن بنادق المسك والزعفران ، ولم يستطع أن يقلع من زبرجدها ولا من ياقوتها شيئا. وخرج ورجع إلى اليمن ، فأظهر ما كان معه ، وعلم الناس أمره. فلم يزل ينمو أمره حتّى بلغ معاوية خبره ، فأرسل في طلبه حتّى قدم عليه ، فقصّ عليه القصّة. فأرسل معاوية إلى كعب الأحبار ، فلمّا أتاه قال له : يا أبا إسحاق هل في الدنيا مدينة من ذهب وفضّة؟
قال : نعم ، أخبرك بها وبمن بناها ، إنّما بناها شدّاد بن عاد. فأمّا المدينة فإرم ذات العماد الّتي وصفها الله تعالى في كتابه ، وهي (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ). قال معاوية : فحدّثني حديثها.
فقال : إنّ عادا الأولى ليس بعاد قوم هود ، وإنّما هود وقوم هود ولد ذلك.
وكان عاد له ابنان : شدّاد وشديد ، فهلك عاد فبقيا وملكا ، وقهرا البلاد وأخذاها عنوة. ثمّ هلك شديد وبقي شدّاد ، فملك وحده ، ودانت له ملوك الأرض ، فدعته نفسه إلى بناء مثل الجنّة عتوّا على الله سبحانه. فأمر بصنعة تلك المدينة إرم ذات