(فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) لقصور نظره وسوء فكره ، فإنّ التقتير قد يؤدّي إلى كرامة الدارين ، إذ التوسعة قد تفضي إلى قصد الأعداء والانهماك في حبّ الدنيا ، ولذلك ذمّه على قوليه وردعه عنه بقوله : (كَلَّا) مع أنّ ظاهر قوله الأوّل مطابق لـ (فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ) فإنّ كلّ واحد من التوسعة والتقتير اختبار للعبد ، فإذا بسط له فقد اختبر حاله أيشكر أم يكفر؟ فإذا قدر عليه رزقه فقد اختبر حاله أيصبر أم يجزع؟ فالحكمة فيهما واحدة. ونحوه قوله تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) (١).
ولمّا كان قوله : «ربّي أكرمن» على قصد خلاف ما صحّحه الله عليه ، لأنّ قصده إلى أنّ الله أعطاه ما أعطاه إكراما له ، مستحقّا مستوجبا على عادة افتخارهم وجلالة أقدارهم عندهم ، كقوله : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) (٢). وإنّما أعطاه الله على وجه التفضّل من غير استيجاب منه له ، ولا سابقة ممّا لا يعتدّ الله إلّا به ، وهو التقوى ، دون الأنساب والأحساب الّتي كانوا يفتخرون بها ، ويرون استحقاق الكرامة من أجلها. فأنكر قوله : «ربّي أكرمن» وذمّه عليه.
وأيضا ينساق الإنكار والذمّ من قوله : «ربّي أكرمن» إلى قوله : «ربّي أهانن». يعني : أنّه إذا تفضّل الله عليه بالخير وأكرم به اعترف بتفضّل الله وإكرامه ، وإذا لم يتفضّل الله عليه سمّى ترك التفضّل هوانا ، وليس بهوان. ولهذا لم يقل : فأهانه وقدر رزقه ، كما قال : فأكرمه ونعّمه.
وتوضيحه : أنّ إكرام الله لعبده بإنعامه عليه متفضّلا من غير سابقة. وأمّا التقتير فليس بإهانة ، لأنّ الإخلال بالتفضّل لا يكون إهانة ، ولكن تركا للكرامة ، وقد يكون المولى مكرما لعبده ومهينا ، وغير مكرم ومهين. وإذا أهدى لك زيد هديّة قلت : أكرمني بالهديّة. ولا تقول : أهانني ولم يكرمني ، إذا لم يهد لك.
__________________
(١) الأنبياء : ٣٥.
(٢) القصص : ٧٨.