من رسول الله ما لم يستحلّوا من غيره ، فعاب الله ذلك عليهم بقوله : (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ).
أو سلّى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالقسم ببلده ، على أنّ الإنسان لا يخلو من مقاساة الشدائد. واعترض بين القسم والمقسم عليه بقوله : «وأنت حل بهذا البلد». يعني : ومن المكابدة أنّ مثلك على عظم حرمتك يستحلّ بهذا البلد الحرام ، كما يستحلّ الصيد في غير الحرم.
أو اعترض بينهما ، بأن وعده فتح مكّة تتميما للتسلية والتنفيس عنه ، فقال :
(وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ). يعني : وأنت حلّ به في المستقبل ، تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر.
وذلك أنّ الله فتح عليه مكّة وأحلّها له ، وما فتحت على أحد قبله ولا أحلّت له ، فأحلّ ما شاء وحرّم ما شاء. ومن ذلك قتل ابن خطل وهو متعلّق بأستار الكعبة ، ومقيس بن صبابة ، وغيرهما. وحرّم دار أبي سفيان. ثمّ قال : «إنّ الله حرّم مكّة يوم خلق السماوات والأرض ، فهي حرام إلى أن تقوم الساعة ، لم تحلّ لأحد قبلي ، ولن تحلّ لأحد بعدي ، ولم تحلّ لي إلّا ساعة من نهار. فلا يعضد شجرها ، ولا يختلى (١) خلاها ، ولا ينفر صيدها ، ولا تحلّ لقطتها إلّا لمنشد ، أي : معرّف».
فقال العبّاس : يا رسول الله إلّا الإذخر ، فإنّه لقيوننا (٢) وقبورنا وبيوتنا. فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إلّا الإذخر».
ونظير قوله : «وأنت حلّ» في معنى الاستقبال قوله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (٣). ومثله واسع في كلام العباد ، تقول لمن تعده الإكرام والعطاء : أنت مكرم
__________________
(١) اختلى العشب : جزّه وقطعه. والخلى : العشب.
(٢) القيون جمع القين : الحدّاد.
(٣) الزمر : ٣٠.