محبوّ. وهو في كلام الله أوسع ، لأنّ الأحوال المستقبلة عنده كالحاضرة المشاهدة.
وكفاك دليلا قاطعا على أنّه للاستقبال ، وأنّ تفسيره بالحال محال ، أنّ السورة بالاتّفاق مكّيّة ، وأين الهجرة عن وقت نزولها؟ فما بال الفتح؟
(وَوالِدٍ) عطف على «هذا البلد». والوالد آدم ، أو إبراهيم ، أو محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(وَما وَلَدَ) ذرّيته ، أو محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو ذرّيّته الطاهرة. قيل : أقسم الله عزّ اسمه ببلد رسوله الّذي هو مسقط رأسه ، وحرم أبيه إبراهيم ، ومنشأ أبيه إسماعيل ، وبمن ولده وبه. والتنكير للتعظيم. وإيثار «ما» على «من» لمعنى التعجّب ، كما في قوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) (١) أي : أيّ شيء وضعت. يعني : موضوعا عجيب الشأن. وقيل : المراد كلّ والد وولده. والتنكير للتكثير.
(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) تعب ومشقّة. من : كبد الرجل كبدا فهو أكبد ، إذا وجعت كبده وانتفخت ، فاتّسع فيه حتّى استعمل في كلّ تعب ومشقّة. ومنه اشتقّت المكابدة. والإنسان لا يزال في شدائد ، مبدؤها ظلمة الرحم وضيقه ، ومنتهاها الموت وما بعده. وهو تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ممّا كان يكابده من قريش ، كما عرفت.
والضمير في (أَيَحْسَبُ) لبعضهم الّذي كان النبيّ يكابد منه أكثر ، أو يغترّ بقوّته ، كأبي الأشدّ بن كلدة ، فإنّه كان يبسط تحت قدميه أديم عكاظيّ ، فيقوم عليه ويقول : من أزالني عنه فله كذا ، فلا ينزع إلّا قطعا ويبقى موضع قدميه. وقيل : الوليد بن المغيرة ، أو كلّ أحد منهم. والمعنى : أيظنّ هذا الصنديد القويّ في قومه المستضعف للمؤمنين (أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) أن لن تقوم قيامة ، ولن يقدر أحد على الانتقام منه ، وعلى مكافأته بما هو عليه. والهمزة للإنكار ، أي : لا يظنّنّ ذلك.
ثمّ ذكر ما يقوله في ذلك الوقت ، فقال عزّ اسمه : (يَقُولُ) في وقت الانتقام
__________________
(١) آل عمران : ٣٦.