منه (أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) كثيرا. من : تلبّد الشيء إذا اجتمع. والمراد : ما أنفقه رياء وسمعة ومفاخرة ، أو معاداة للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم. وعن مقاتل : قائله : الحرث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف. وذلك أنّه أذنب ذنبا فاستفتى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأمره أن يكفّر. فقال : لقد ذهب مالي في الكفّارات والنفقات منذ دخلت في دين محمّد.
(أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) حين كان ينفق رئاء الناس وافتخارا بينهم ، أو بعد ذلك فيسأله عنه. يعني : أنّ الله يراه فيجازيه ، أو يجده فيحاسبه عليه.
ثمّ قرّر ذلك بقوله : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) يبصر بهما (وَلِساناً) يترجم به عن ضمائره (وَشَفَتَيْنِ) يستر بهما فاه ، ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب والنفخ وغيرها.
(وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) طريقي الخير والشرّ. وعن ابن المسيّب والضحّاك : أنّهما الثديان. وأصله : المكان المرتفع. وروي : أنّه قيل لأمير المؤمنين عليهالسلام : «إنّ ناسا يقولون في قوله : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) إنّهما الثديان. فقال : لا ، هما الخير والشرّ». وارتفاعهما باعتبار ظهورهما وبروزهما في الحسن والقبح ، كبروز المكان المرتفع.
(فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) أي : فلم يشكر تلك الأيادي والنعم باقتحام العقبة ، وهو الدخول تكلّفا في أمر شديد. من القحمة بمعنى الشدّة. والعقبة : الطريق في الجبل.
ولمّا كان في فكّ الرقبة وإطعام الأقارب والمساكين مجاهدة النفس ومعاناتها ، فسّر بها استعارة في قوله : (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ) أي : إنّك لم تدر كنه صعوبتها وكنه ثوابها عند الله. وهذا اعتراض بين المفسّر والمفسّر.
(فَكُّ رَقَبَةٍ) تخليصها من رقّ أو غيره. وفي الحديث : «إنّ رجلا قال لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : دلّني على عمل يدخلني الجنّة. فقال : تعتق النسمة ، وتفكّ الرقبة. قال : أو ليسا سواء؟ قال : لا ، اعتقاقها : أن تنفرد بعتقها ، وفكّها : أن تعين في تخليصها من