عليه بما يدلّهم على العلم بوجود الصانع ، ووجوب ذاته ، وكمال صفاته ، الّذي هو أقصى درجات القوّة النظريّة ، ويذكّرهم عظائم آلائه ، ليحملهم على الاستغراق في شكر نعمائه ، الّذي هو منتهى كمالات القوّة العمليّة.
(وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) نقصها وأخفاها بالجهالة والفسوق. من التدسية ، وهي النقص والإخفاء بالفجور. وأصل دسّى : دسّس ، كتقضّى وتقضّض. وسئل ابن عبّاس عنه فقال : أتقرأ (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) (١) (وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) (٢).
وجاءت الرواية عن سعيد بن أبي هلال قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا قرأ هذه الآية (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها). وقف ثمّ قال : اللهمّ آت نفسي تقواها ، أنت وليّها ومولاها ، وزكّها أنت خير من زكّاها».
وروى زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام في قوله : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) قال : «بيّن لها ما تأتي وما تترك». وفي قوله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) قال : «قد أفلح من أطاع ، وقد خاب من عصى».
وأمّا قول من زعم أنّ الضمير في «زكّى» و «دسّى» لله تعالى ، وضمير التأنيث راجع إلى «من» لأنّه في معنى النفس ، فمن تعكيس القدريّة الّذين يورّكون (٣) على الله قدرا هو بريء منه ومتعال عنه ، ويحيون لياليهم في تمحّل (٤) فاحشة ينسبونها إليه.
وقيل : قوله : «قد أفلح» استطراد بذكر أحوال النفس.
وجواب القسم محذوف ، تقديره : ليدمدمنّ الله على كفّار مكّة لتكذيبهم رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كما دمدم على ثمود لتكذيبهم صالحا عليهالسلام ، حيث قال :
__________________
(١) الأعلى : ١٤.
(٢) طه : ١١١.
(٣) ورّك الذنب عليه : حمله عليه ، واتّهمه به.
(٤) تمحّل الشيء : احتال في طلبه.