(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَالضُّحى) ووقت ارتفاع الشمس. وتخصيصه لأنّ النهار يقوى فيه. أو لأنّ فيه كلّم موسى ربّه ، والقي السحرة سجّدا ، لقوله : (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) (١). أو النهار كلّه. ويؤيّده قوله : (أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى) (٢) في مقابلة (بَياتاً) (٣).
(وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) سكن أهله فيه ، وسكتوا عن أصواتهم. أو ركد واستقرّ ظلامه. من : سجا البحر إذا سكنت أمواجه. وتقديم الليل في السورة المتقدّمة باعتبار الأصل ، وتقديم النهار هاهنا باعتبار الشرف.
وجواب القسم (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ) ما قطعك قطع المودّع. والتوديع مبالغة في الودع ، لأنّ من ودّعك مفارقا فقد بالغ في تركك. (وَما قَلى) وما أبغضك. وحذف المفعول استغناء بذكره من قبل ، ومراعاة للفواصل.
وعن ابن عبّاس : أنّ الوحي تأخّر عنه خمسة عشر يوما. وعن ابن جريج : اثني عشر. وعن مقاتل : أربعين ، لتركه الاستثناء كما مرّ في سورة الكهف (٤) ، من أنّ اليهود سألت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن ذي القرنين وأصحاب الكهف ، فقال : سأخبركم غدا ، ولم يقل : إن شاء الله ، فقال المشركون : إنّ محمّدا ودّعه ربّه وقلاه.
وقيل : إنّ أمّ جميل امرأة أبي لهب قالت له : يا محمّد إنّ شيطانك قد تركك.
فقال سبحانه ردّا عليهم ـ بعد أن أقسم بأعظم آياته على ذاته ـ : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى).
ولمّا بيّن أنّه تعالى لا يزال يواصله بالوحي والكرامة في الدنيا ، وعدّ له ما هو أعلى وأجلّ من ذلك في الآخرة ، فقال :
__________________
(١) طه : ٥٩.
(٢) الأعراف : ٩٧ ـ ٩٨.
(٣) الأعراف : ٩٧ ـ ٩٨.
(٤) راجع ج ٤ ص ١٠٠ ، ذيل الآية ٢٤ من سورة الكهف.