(وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) فإنّها باقية خالصة عن الشوائب ، وهذه فانية مشوبة بالمضارّ. وقيل : المعنى : ولنهاية أمرك خير من بدايته ، فإنّك لا تزال تتصاعد في الرفعة والكمال ، من الفتوح والنصرة والعزّة.
ثمّ وعد وعدا شاملا لما أعطاه في الدارين ، من كمال النفس ، وظهور الأمر ، وإعلاء الدين ، ولما ادّخر له ممّا لا يعرف كنهه سواه ، فقال :
(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) هذا موعد شامل لما أعطاه الله في الدنيا ، من الظفر والنصرة على أعدائه يوم بدر ، ويوم فتح مكّة ، ودخول الناس في الدين أفواجا ، والغلبة على قريظة والنضير وإجلائهم ، وبثّ عساكره وسراياه في بلاد العرب ، واستيلاء المسلمين على بلاد الشرك ، وإظهار دينه على جميع الأديان ، ورفعة صيته في المشرق والمغرب ، وقذف الرعب في قلوب أهل الشرق والغرب ، وفشوّ الدعوة. وفي الآخرة ؛ من السبق والتقدّم على جميع أنبياء الله ورسله ، وشهادة أمّته على سائر الأمم ، ورفع درجات المؤمنين من أمّته ، وإعلاء مراتبهم بشفاعته ، وغير ذلك من الكرامات السنيّة الّتي لا يعلمها إلّا الله.
قال ابن عبّاس : له في الجنّة ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابه المسك ، في كلّ قصر ما ينبغي من الأزواج والخدم ، وما يشتهي على أتمّ الوصف.
وروى حرث بن شريح ، عن محمّد بن عليّ ابن الحنفيّة أنّه قال : يا أهل العراق تزعمون أنّ أرجى آية في كتاب الله عزوجل : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) (١) الآية ، وإنّا أهل البيت نقول : إنّ أرجى آية في كتاب الله : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى). وهي والله الشفاعة ليعطينّها في أهل لا إله إلّا الله حتّى يقول : ربّ رضيت.
وعن الصادق عليهالسلام قال : «دخل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على عليّ وفاطمة وعليهما
__________________
(١) الزمر : ٥٣.