سواده ، وتشنّن (١) جلده ، وكلّ سمعه وبصره ، وتغيّر كلّ شيء منه. فمشيه دليف (٢) ، وصوته خفات ، وقوّته ضعف ، وشهامته خرف ، وهو أرذل العمر. وعلى هذا ؛ السافلون هم الضعفاء والزمنى والأطفال والشيخ الكبير ، وهو أسفل هؤلاء جميعا.
وعلى التفسير الأوّل (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) استثناء متّصل ظاهر الاتّصال. وعلى الثاني منقطع. يعني : ولكنّ الّذين كانوا صالحين من الهرمى.
(فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) فلهم ثواب دائم غير منقطع على طاعتهم في هذه الحالة ، وصبرهم على ابتلاء الله بالشيخوخة والهرم ، وعلى مقاساة المشاقّ ، والقيام بالعبادة ، على تخاذل نهوضهم. وروي : «أنّ المؤمن لا يردّ إلى الخرافة وإن عمّر عمرا طويلا».
وعن عكرمة : إذا ردّ من المؤمنين إلى أرذل العمر ، كتب له كصالح ما كان يعمل في شبابه ، وذلك أجر غير ممنون.
وعن ابن عبّاس : من قرأ القرآن لم يردّ إلى أرذل العمر. وذلك قوله : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ). قال : إلّا الّذين قرءوا القرآن.
وفي الحديث عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «المولود حتّى يبلغ الحنث ما عمل من حسنة كتب لوالديه ، فإن عمل سيّئة لم يكتب عليه ، ولا على والديه.
فإذا بلغ الحنث ، وجرى عليه القلم ، أمر الله الملكين اللّذين معه يحفظانه ويسدّدانه.
فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام آمنه الله من البلايا الثلاث : الجنون ، والجذام ، والبرص. وإذا بلغ خمسين سنة خفّف الله حسابه. فإذا بلغ ستّين رزقه الله الإنابة إليه فيما يجب. فإذا بلغ سبعين أحبّه أهل السماء. فإذا بلغ ثمانين كتب الله حسناته ،
__________________
(١) تشنّن الجلد : يبس وتشنّج.
(٢) أي : متقارب الخطوة في المشي.