وتجاوز عن سيّئاته. فإذا بلغ تسعين غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، وشفّعه في أهل بيته ، وكان اسمه أسير الله في الأرض. فإذا بلغ أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئا ، كتب الله له بمثل ما كان يعمل في صحّته من الخير ، وإن عمل سيّئة لم تكتب عليه».
وأقول : إنّما لا تكتب عليه السيّئة لزوال عقله ، ونقصان تمييزه في ذلك الوقت.
(فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ) فأيّ شيء يكذّبك يا محمّد دلالة أو نطقا بعد ظهور هذه الدلائل (بِالدِّينِ) بالجزاء. وقيل : «ما» بمعنى «من». وقيل : الخطاب للإنسان على الالتفات. والمعنى : أنّ خلق الإنسان من نطفة ، وتقويمه بشرا سويّا ، وتدريجه في مراتب الزيادة إلى أن يكمل ويستوي ، ثمّ تنكيسه إلى أن يبلغ أرذل العمر ، لا ترى دليلا أوضح منه على قدرة الخالق ، وأنّ من قدر من الإنسان على هذا كلّه لم يعجز عن إعادته ، فما سبب تكذيبك أيّها الإنسان بالجزاء بعد هذا الدليل القاطع؟ ثمّ حقّق ما سبق بقوله : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) أليس الّذي فعل ذلك من الخلق والردّ بأحكم الحاكمين صنعا وتدبيرا؟ ومن كان كذلك كان قادرا على الإعادة والجزاء ، على ما مرّ مرارا. وهذا وعيد للكفّار بأنّه يحكم عليهم بما هم أهله.