روي : أنّ أبا جهل لفرط جهله وعتوّه قال : هل يعفّر محمّد وجهه بين أظهركم؟ قالوا : نعم. قال : فبالّذي يحلف به لو رأيت محمّدا ساجدا لأطأنّ على رقبته. فقيل له : ها هو ذلك يصلّي. فانطلق ليطأ على رقبته ، فنكص على عقبيه.
فقيل له : مالك يا أبا الحكم؟ فقال : إنّ بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة ، وهي أجنحة الملائكة. وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «والّذي نفسي بيده لو دنا منّي لاختطفته الملائكة عضوا عضوا». فأنزل الله سبحانه :
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى * عَبْداً) يعني : محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم (إِذا صَلَّى) لفظ العبد والتنكير للمبالغة في تقبيح النهي ، والدلالة على كمال عبوديّة المنهيّ. ومعنى «أرأيت» هاهنا تعجيب للمخاطب.
ثمّ كرّر هذه اللفظة مرّتين للتأكيد في التعجيب ، فقال : (أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ) العبد المنهيّ (عَلَى الْهُدى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى) بالإخلاص والتوحيد والاتّقاء عن الشرك.
والشرطيّة المفعول الثاني لـ «رأيت» الأوّل. والثاني تكرير للمبالغة ، وليس له عمل.
وجواب الشرط محذوف ، تقديره : إن كان على الهدى ، أو أمر بالتقوى ، ألم يعلم بأنّ الله يرى؟ وإنّما حذف لدلالة ذكره في جواب الشرط الثاني ، وهو قوله : (أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ) أبو جهل (وَتَوَلَّى) عن الإيمان (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) يراه ويطّلع على هداه وضلاله ، فيجازيه على حسب ذلك. وهذا وعيد له.
وقيل : المعنى : أخبرني عمّن ينهى عبدا من عبادنا عن الصلاة ، إن كان ذلك الناهي على هدى فيما ينهى عنه من عبادة الله ، أو كان آمرا بالتقوى كما يعتقده ، وكذلك إن كان على التكذيب للحقّ ، والتولّي عن الدين الصحيح كما نحن نقول ، ألم يعلم بأنّ الله يرى أحواله فيجازيه؟
وقيل : الخطاب في الثانية مع الكافر ، فإنّه تعالى كالحاكم الّذي حضره الخصمان يخاطب هذا مرّة والآخر اخرى. وكأنّه قال : يا كافر أخبرني إن كان