السورة بذكر ليلة القدر ، وأنّ التقرّب فيها إلى الله يزيد على التقرّب إليه في سائر الليالي والأيّام ، فكأنّه قال : اقترب إليه في سائر الأوقات ، خصوصا في ليلة القدر.
وقال أبو مسلم : لمّا أمره بقراءة القرآن في سورة العلق ، بيّن في هذه السورة أنّ إنزاله في ليلة القدر ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) الضمير للقرآن. فخّمه من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن أسند إنزاله إليه ، وجعله مختصّا به دون غيره ، كجبرئيل.
والثاني : إضماره من غير ذكر اسمه الظاهر ، شهادة له بالنباهة المغنية عن التصريح.
والثالث : إنزاله في أشرف الزمان وأفضل الأوان ، وهو ليلة القدر.
ثمّ فخّم شأن هذه الليلة ، ونبّه على عظيم قدرها وشرف محلّها بقوله : (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) أي : لم تبلغ درايتك غاية فضلها ومنتهى علوّ قدرها. وهذا حثّ على العبادة فيها.
ثمّ فسّر تعظيمها بقوله : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) أي : قيام ليلة القدر والعمل فيها خير من قيام ألف شهر. ولمّا جعل الخير الكثير في ليلة القدر ، كانت خيرا من ألف شهر لا يكون فيها من الخير والبركة ما يكون في هذه الليلة. وإنزاله فيها بأن ابتدأ بإنزاله فيها. أو أنزله جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا على السفرة ، ثمّ كان جبرئيل ينزله على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نجوما في ثلاث وعشرين سنة.
وقيل : معناه : أنزلناه في فضل ليلة القدر. وتسميتها بذلك لشرف قدرها ، أو لتقدير الأمور فيها ، لقوله تعالى : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (١). وعن أبي بكر الورّاق : لأنّ من لم يكن ذا قدر إذا أحياها صار ذا قدر. وقال بعضهم : لأنّ للطاعات
__________________
(١) الدخان : ٤.