ولمّا أخبر سبحانه في سورة القارعة عن صفة القيامة ، ذكر في هذه السورة من شغلته عنها زخارف الدنيا والتفاخر بها ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * أَلْهاكُمُ) شغلكم عن طاعة الله وعن ذكر الآخرة.
وأصله الصرف إلى اللهو. منقول من : لهى إذا غفل. (التَّكاثُرُ) التباهي بكثرة الأموال والأولاد والتفاخر.
(حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) أي : إذا استوعبتم عدد الأحياء صرتم إلى المقابر فتكاثرتم بالأموات. عبّر عن انتقالهم إلى ذكر الموتى بزيارة المقابر تهكّما ، فإنّ الزيارة الحقيقيّة لم تكن موجودة.
روي : أنّ بني عبد مناف وبني سهم تفاخروا بكثرة عدد الأقارب والعشائر ، فكثّرهم بنو عبد مناف. فقال بنو سهم : إنّ البغي أهلكنا في الجاهليّة ، فعادّونا بالأحياء والأموات ، فكثّرهم بنو سهم.
وقيل : كانوا يزورون المقابر فيقولون : هذا قبر فلان وهذا قبر فلان عند تفاخرهم. والمعنى : ألهاكم ذلك التكاثر ـ وهو ممّا لا يعنيكم ، ولا يجدي عليكم في دنياكم وآخرتكم ـ عمّا يعنيكم من أمر الدين الّذي هو أهمّ وأعنى من كلّ مهمّ. وإنّما حذف الملهيّ عنه ـ وهو ما يعنيهم من أمر الدين ـ للتعظيم والمبالغة.
وقيل : معناه : ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد إلى أن متّم وقبرتم ، مضيّعين أعماركم في طلب الدنيا عمّا هو أهمّ لكم ، وهو السعي لأخراكم. فيكون زيارة القبر عبارة عن الموت.
(كَلَّا) ردع وتنبيه على أنّ العاقل ينبغي له أن لا يكون جميع همّه ومعظم سعيه للدنيا ، فإنّ عاقبة ذلك وبال وحسرة و (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) خطأ رأيكم إذا عاينتم ما قدّامكم من أهوال الآخرة. وهو إنذار ليخافوا وينتبهوا من غفلتهم.