(ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) تكرير لتأكيد الردع والإنذار عليهم. وفي «ثمّ» دلالة على أنّ الإنذار الثاني أبلغ من الأوّل وأشدّ ، كما تقول للمنصوح : أقول لك ثمّ أقول لك لا تفعل. أو الأوّل عند الموت أو في القبر ، والثاني عند النشور.
عن زرّ بن حبيش عن عليّ عليهالسلام قال : «ما زلنا نشكّ في عذاب القبر حتّى نزلت (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) إلى قوله : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) يريد في القبر (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) بعد البعث».
ثمّ كرّر التنبيه لمزيد الإيقاظ عن رقدة الجهل والغفلة ، فقال : (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) لو تعلمون ما بين أيديكم علم الأمر اليقين ـ أي : كعلمكم ما تستيقنونه من الأمور الّتي وكلتم بعلمها هممكم ـ لشغلكم علم ذلك عن غيره ، أو لفعلتم ما يوجب فوزكم ممّا لا يوصف ولا يكتنه ، ولكنّكم ضلّال جهلة. فحذف الجواب للتفخيم. ولا يجوز أن يكون قوله : (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) جوابا ، لأنّه محقّق الوقوع.
فهو جواب قسم محذوف ، أكّد به الوعيد ، وأوضح به ما أنذرهم منه بعد إبهامه ، وقد مرّ ما في إيضاح الشيء بعد إبهامه من تفخيمه وتعظيمه. وقرأ ابن كثير والكسائي بضمّ التاء.
(ثُمَّ لَتَرَوُنَّها) كرّره معطوفا بـ «ثمّ» تغليظا في التهديد وزيادة في التهويل. أو الأولى إذا رأتهم من مكان بعيد ، والثانية إذا وردوها. (عَيْنَ الْيَقِينِ) أي : الرؤية الّتي هي نفس اليقين ، فإنّ علم المشاهدة أعلى مراتب اليقين.
(ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) الّذي ألهاكم. قيل : الخطاب مخصوص بالكفّار. وقيل : بكلّ من ألهاه دنياه عن دينه. والمراد بالنعيم ما يشغله عن العلوم المفروضة الدينيّة والأعمال الواجبة الشرعيّة ، للقرينة ، فإنّ من تمتّع بنعمة الله وأرزاقه الّتي لم يخلقها إلّا لعباده ـ لقوله : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ