أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة على المسح (١) الأسود».
(وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) الزكاة. أو ما يتعاوره الناس بينهم في العادة ، من الفأس والقدر والدلو والمقدحة ، ونحوها من ماء ونار وملح. وروي ذلك مرفوعا.
وقد يكون منع هذه الأشياء محظورا في الشريعة إذا استعيرت عن اضطرار ، وقبيحا في المروءة في غير حال الضرورة. والحاصل أنّ الفاء جزائيّة.
والمعنى : إذا كان عدم المبالاة باليتيم من ضعف الدين ، والموجب للذمّ والتوبيخ ، فالسهو عن الصلاة الّتي هي عماد الدين ، والرياء الّذي هو شعبة من الكفر ، ومنع الزكاة الّتي هي قنطرة الإسلام ، أحقّ بذلك. ولذلك رتّب عليها الويل.
وقيل : المعنى : فويل لهم. فوضع صفتهم موضع ضميرهم ، لأنّهم كانوا مع التكذيب وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين ، غير مزكّين أموالهم. وعلى هذا ؛ إنّما جمع الضمير لأنّ المراد بالموصول الجنس.
والفرق بين «عن صلاتهم» و «في صلاتهم» : أنّ معنى «عن» أنّهم ساهون عنها سهو ترك لها وقلّة التفات إليها ، وذلك فعل الكفّار والمنافقين أو الفسقة من المسلمين. ومعنى «في» أنّ السهو يعتريهم فيها بوسوسة الشيطان ، وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم ، ومن ثمّ أثبت الفقهاء باب سجود السهو في كتبهم. وعن أنس : الحمد لله على أن لم يقل : في صلاتهم.
واعلم أنّ المكلّف لا يكون مرائيا بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة. فمن حقّ الفرائض الإعلان بها وتشهيرها ، لقوله عليهالسلام : «ولا غمّة (٢) في فرائض الله» لأنّها إعلام الإسلام وشعائر الدين ، ولأنّ تاركها يستحقّ الذمّ والمقت ، فوجب إماطة التهمة بالإظهار. وإن كان تطوّعا فحقّه أن يخفى ، لأنّه ممّا لا يلام بتركه ولا تهمة فيه ، فإن أظهره قاصدا للاقتداء به كان جميلا ، وإنّما الرياء أن يقصد بالإظهار أن تراه الأعين فيثنى عليه بالصلاح. وكذلك البحث في الزكاة.
__________________
(١) المسح : البلاس يقعد عليه ، والكساء من شعر.
(٢) أي : لا ستر ولا وإخفاء.