واعلم أنّه سبحانه لمّا ذمّ أعداء أهل التوحيد في السورة المتقدّمة ، ذكر في هذه السورة بيان التوحيد ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) الضمير للشأن ، كقولك : هو زيد منطلق. وارتفاعه بالابتداء ، وخبره الجملة. ولا حاجة إلى العائد ، لأنّها هي هو ، فحكم هذه الجملة حكم المفرد. أو لما سئل عنه ، أي : الّذي سألتم عنه هو الله ، إذ روي أنّ قريشا قالوا : يا محمّد صف لنا ربّك الّذي تدعونا إليه. يعني : الّذي سألتموني وصفه هو الله المستجمع لجميع صفات الكمال. وعلى هذا قوله : «أحد» بدل ، أو خبر ثان. وأصله : وحد. يدلّ على مجامع صفات الجلال ، كما دلّ لفظ الله على مجامع صفات الكمال ، إذ الواحد الحقيقي ما يكون منزّها بالذات عن أنحاء التركيب والتعدّد ، وما يستلزم أحدهما ، كالجسميّة والتحيّز والمشاركة في الحقيقة وخواصّها ، كوجوب الوجود ، والقدرة الذاتيّة ، والحكمة التامّة المقتضية للألوهيّة.
وقيل : إنّما قال «أحد» ، ولم يقل : واحد ، لأنّ الواحد يدخل في الحساب ، ويضمّ إليه آخر. وأمّا الأحد فهو الّذي لا يتجزّأ ، ولا ينقسم في ذاته ، ولا في معنى صفاته بحسب الاعتبار. ويجوز أن يجعل للواحد ثانيا ، ولا يجوز أن يجعل للأحد ثانيا. ألا ترى إنّك لو قلت : فلان لا يقاومه واحد ، جاز أن يقاومه اثنان. ولو قلت : لا يقاومه أحد ، لم يجز أن يقاومه اثنان ولا أكثر. فهو أبلغ.
وقال أبو جعفر الباقر عليهالسلام في معنى (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) : «أي : قل : أظهر ما أوحينا إليك وما أنبأناك به ، بتأليف الحروف الّتي قرأناها عليك ، ليهتدي بها من ألقى السمع وهو شهيد».
«و «هو» اسم مكنيّ مشار إلى غائب. فالهاء تنبيه عن معنى ثابت ، والواو إشارة إلى الغائب عن الحواسّ ، كما أنّ «هذا» إشارة إلى الشاهد عند الحواسّ.
وذلك أنّ الكفّار نبّهوا عن آلهتهم بحرف إشارة إلى المشاهد المدرك ، فقالوا : هذه