ولمّا ذمّ الله سبحانه أعداء الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في سورة تبّت ، ثمّ ذكر التوحيد في سورة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) رغما عليهم ، ذكر الاستعاذة منهم في هاتين السورتين ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ما يفلق عنه ، أي : يفرّق عنه ، كالفرق. فعل بمعنى مفعول. وهو في الأصل يعمّ جميع الممكنات ، فإنّه تعالى فلق ظلمة العدم بنور الإيجاد عنها ، سيّما ما يخرج من أصل ، كالعيون من الجبال ، والأمطار من السحاب ، والنبات من الأرض ، والأولاد من الأرحام ، والحبّ من النوى ، وغير ذلك. ويختصّ عرفا بالصبح ، فإنّ الليل يفرق عنه. يقال في المثل : هو أبين من فلق الصبح ، ومن فرق الصبح. ولذلك فسّر به. وتخصيصه لما فيه من تغيّر الحال ، وتبدّل وحشته بالليل بسرور النور ، ومحاكاة فاتحة يوم القيامة ، والإشعار بأنّ من قدر أن يزيل به ظلمة الليل عن هذا العالم ، قدر أن يزيل عن العائذ به ما يخافه. ولفظ الربّ هنا أوقع من سائر أسمائه ، لأنّ الإعاذة من مصالح الربوبيّة.
وقيل : هو واد في جهنّم ، أوجبّ فيها. وعن بعض الصحابة : أنّه قدم الشام فرأى دور أهل الذمّة ، وما هم فيه من خفض العيش ، وما وسع عليهم من دنياهم ، فقال : لا أبالي ، أليس من ورائهم الفلق؟ فقيل : وما الفلق؟ قال : بيت في جهنّم إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدّة حرّه.
(مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) من شرّ خلقه. وشرّهم : ما يفعله المكلّفون ، من المعاصي والمآثم. ومضارّة بعضهم بعضا ، من ظلم وبغي وقتل وضرب وشتم ، وغير ذلك. وما يفعله غير المكلّفين منه ، من الأكل والنهش (١) واللدغ والعضّ الصادرة من السباع والحشرات. وغير ذلك من أنواع الضرر ، كالإحراق بالنار ، والإغراق بالماء ، والقتل بالسمّ ، والهدم ، والسقوط من المواضع المرتفعة. وخصّ عالم الخلق بالاستعاذة عنه
__________________
(١) نهشه : تناوله بفمه ليعضّه ، فيؤثّر فيه ولا يجرحه.