وشفقتكم عليهم ، والقيام بمؤنهم ، وتسوية ما يصلحهم من معايشهم ، في حياتكم وبعد مماتكم (عَنْ ذِكْرِ اللهِ) وإيثاره عليها. قيل : هو الصلوات الخمس. وعن الحسن : جميع الفرائض. وقيل : القرآن. وعن الكلبي : الجهاد مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
والأولى : جميع العبادات ، فإنّها تذكرة للمعبود. والمراد نهيهم عن اللهو بها ، وتوجيه النهي إليها للمبالغة. ولذلك قال : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي : اللهو والشغل (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) في تجارتهم ، لأنّهم باعوا العظيم الباقي بالحقير الفاني.
(وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ) بعض أموالكم ادّخارا للآخرة. والمراد الإنفاق الواجب منه. (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) أي : يرى دلائله ، ويعاين ما ييأس معه من الإمهال ، ويضيق به الخناق ، ويتعذّر عليه الإنفاق ، ويفوت وقت القبول ، فيتحسّر على المنع ، ويعضّ أنامله على فقد ما كان متمكّنا منه (فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي) أمهلتني (إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) أمد غير بعيد (فَأَصَّدَّقَ) فأتصدّق (وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) بالتدارك. وجزم «أكن» للعطف على موضع «فأصّدّق». كأنّه قيل : إن أخّرتني أصّدّق وأكن. وقرأ أبو عمرو : وأكون منصوبا ، عطفا على : فأصّدّق.
وعن ابن عبّاس : تصدّقوا قبل أن ينزل عليكم سلطان الموت ، فلا تقبل توبة ، ولا ينفع عمل.
وعنه : ما يمنع أحدكم إذا كان له مال أن يزكّي ، وإذا أطاق الحجّ أن يحجّ من قبل أن يأتيه الموت ، فيسأل ربّه الكرّة فلا يعطاها.
وكذا عن الحسن : ما من أحد لم يزكّ ولم يصم ولم يحجّ إلّا سأل الرجعة.
(وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً) ولن يمهلها (إِذا جاءَ أَجَلُها) آخر عمرها (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) فمجاز عليه. وقرأ أبو بكر بالياء ليوافق ما قبله في الغيبة.
والمعنى : أنّهم إذا علموا أنّ تأخير الموت عن وقته ممّا لا سبيل إليه ، وأنّه هاجم لا محالة ، وأنّ الله عليم بأعمالهم ، فمجاز عليها ، من منع واجب وغيره ، لم تبق إلّا المسارعة إلى الخروج عن عهدة الواجبات ، والاستعداد للقاء الله.