فمدلول المحافظ معلوم لدى الطرفين ، أما مدلول الأبوة فمجهول لدى الطرف الثانى. لذا فهى محطّ الإخبار ، وهى الخبر. وإن افترضنا سؤالا لهذه الجملة لكان : من المحافظ؟ أو : ما علاقته بالمحافظ؟
وهذا التحليل يتلاءم مع نظرية المعلوم والمجهول فى الجملة الاسمية وتحديد المبتدإ الذى يبتدأ به الجملة ، والخبر الذى ينبنى عليه لفظا ومعنى ونسقا.
ويشرح ابن يعيش ذلك فى قوله : (وإذا كان الخبر معرفة كالمبتدإ لم يجز تقديم الخبر لأنه مما يشكل ويلتبس ، إذ كلّ واحد منهما يجوز أن يكون خبرا ومخبرا عنه ، فأيّهما قدمت كان المبتدأ) (١).
ثم يقول : (اللهم إلا أن يكون فى اللفظ دليل على المبتدإ منهما ، نحو قوله : لعاب الأفاعى القاتلات لعابه. وقوله :
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا |
|
بنوهن أبناء الرجال الأباعد |
حيث كلّ من الاسم الأول مشبّه به ، والثانى مشبّه ، فوجب أن يكون الثانى مبتدأ) (٢).
ويذكر الأزهرىّ معقبا على هذا : اللهم إلا أن يقتضى المقام المبالغة.
وهذا التحليل والتعليل أكثر صوابا ، إذ المعنى يقتضى المبالغة ، وهى تتحقق بقوة من خلال التشبيه المقلوب ، وباحتسابه يتضح فى الأول مدى الغدر ، وفى الثانى يتضح مدى العطف والحنان والاعتزاز ، ولذلك فإن المتحدث يلجأ إلى قلب التشبيه لإحداث المبالغة فى المعنى ، وعليه فإن المبتدأ يكون المذكور أولا ، والخبر يكون الثانى.
__________________
(١ ، ٢) شرح المفصل ١ ـ ٩٩.