(حسبك به) كلام صحيح كما تقول : كفايتك به وفيه معنى الأمر أو التعجب وقولهم : (كفى بالله).
قال سيبويه : إنما هو (كفى الله) والباء زائدة والقياس يوجب أن يكون التأويل : (كفى كفايتي بالله) فحذف المصدر لدلالة الفعل عليه وهذا في العربية موجود.
الرابع : الجملة : وذلك نحو قولك : (زيد ظننت منطلق) بنيت (منطلقا) على (زيد) ولم تعمل (ظننت) وألغيته وصار المعنى زيد منطلق في ظني ، فإن قدمت (ظننت) قبح الإلغاء ومن هذا الباب الإعتراضات ، وذلك نحو قولك : زيد أشهد بالله منطلق ، وإن زيدا فافهم ما أقول رجل صدق ، وإن عمرا والله ظالم ، وإن زيدا هو المسكين مرجوم وعلى ذلك يتأول قوله عز وجل : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ٣٠ أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) [الكهف] (فأولئك) هو الخبر ، و (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) اعتراض ، ومنه قول الشاعر :
إنّي لأمنحك الصّدود وإنّني |
|
قسما إليك مع الصّدود لأميل (١) |
__________________
(١) على أن قسما تأكيد للحاصل من الكلام السابق بسبب إن واللام ، يعني أن قسما تأكيد لما في قوله : وإنني مع الصدود لأميل إليك : من معنى القسم ، لما فيه من التحقيق والتأكيد من إن ولام التأكيد ؛ فلما كان في الجملة منهما تحقيق والقسم أيضا تحقيق صار كأنه قال : أقسم قسما.
وقال ابن خلف : الشاهد فيه أنه جعل قسما تأكيدا لقوله : وإنني إليك لأميل ، وقوله وإنني إليك لأميل جواب قسم ، فجعل قسما تأكيدا لما هو قسم.
وروى أبو الحسن : أصبحت أمنحك كأنه قال : أصبحت أمنحك الصدود ووالله إني إليك لأميل. وهم يحذفون اليمين وهم يريدونها ويبقون جوابها.
وفيه نظر من وجهين : الأول أن الجملة ليست جواب قسم محذوف. والثاني : أن المؤكد لا يحذف.
وجعل ابن السراج في الأصول التوكيد من جهة الاعتراض فقال : قوله قسما اعتراض ، وجملة هذا الذي يجيء معترضا إنما يكون تأكيد للشيء أو لدفعه ، لأنه بمنزلة الصفة في الفائدة يوضح عن الشيء ويؤكده.
وقال ابن جني في إعراب الحماسة : انتصاب قسم ، لا يخلو أن يكون بما تقدم من قوله إني لأمنحك الصدود ، أو من جملة إنني إليك لأميل. ولا يجوز الأول من حيث كان في ذلك الحكم ، لجواز الفصل بين اسم ـ إن وخبرها بمعمول جملة أخرى أجنبي عنها ؛ فثبت بذلك أنه من الجملة الثانية وأنه منصوب بفعل محذوف دل عليه قوله : وإنني إليك لأميل ، أي : أقسم قسما ، وأضمر هذا الفعل ، وإنما سبق الجزء الأول من الجملة الثانية وهو اسم إن ؛ وهذا واضح.
وهذا البيت من قصيدة للأحوص الأنصاري ، يمدح بها عمر بن عبد العزيز الأموي. انظر خزانة الأدب ١ / ١٧٩.