الإعراب كما منعت إن (ما) من الإعراب وكذلك (ربّما) تقول : (ربّما يقوم زيد) لو لا (ما) لما جاز أن يلي (ربّ) فعل ومن ذلك (بعد ما) قال الشاعر :
أعلاقة أمّ الوليّد بعد ما |
|
أفنان رأسك كالشّهاب المخلس (١) |
فجميع هذه لا موضع لها من الإعراب وقد جاءت حروف خافضة وذكروا أنها زوائد إلا أنها تدخل لمعان فمن ذلك : (ليس زيد بقائم) أصل الكلام : (ليس زيد قائما) ودخلت الباء لتؤكد النفي وخص النفي بها دون الإيجاب ومن ذلك : (ما من رجل في الدار) دخلت (من) لتبين أن الجنس كله منفي وأنه لم يرد القائل أن ينفي رجلا واحدا.
قال أبو بكر : وحقّ الملغى عندي أن لا يكون عاملا ولا معمولا فيه حتى يلغى من الجميع وأن يكون دخوله كخروجه لا يحدث معنى غير التأكيد وهذه الحروف التي خفض بها قد دخلت لمعان غير التأكيد من الحروف الملغاة (لا) شبهوها (بما) فمن ذلك قولك : (ما قام زيد ولا عمرو) والواو العاطفة ولا لغو و (لا) إنما دخلت تأكيدا للنفي وليزول بها اللبس إذا كان منفيا ؛ لأنه قد يجوز أن تقول : ما قام زيد وعمرو ما قاما معا وقالوا في قوله : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) [القيامة : ١] إنّ (لا) زائدة و (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) [الحديد : ٢٩] إنما هو :لأن يعلم وجملة الأمر أنها لا تزاد إلا في موضع غير ملبس كما لا تزاد (ما) وأما قولك :
__________________
(١) بعد منتصب بما نصب به المصدر الذي هو علاقة ، فكذلك ينبغي أن يكون الفعل على ما كان عليه قبل دخول هذا الحرف ، من اقتضائه للفاعل وإسناده إليه. هذا كلامه. وقوله : ولم نر في سائر كلامهم الفعل بلا فاعل يرد عليه زيادة كان في نحو : ما كان أحسن زيدا.
وفيه أيضا دخول فعل على فعل. فقوله : غير موجود ممنوع.
وقوله : ويقوي هذا أن الفعل مع دخول ما هذه تجده دالا إلى آخره ، يرد عليه أن الحرف المكفوف عن عمله باق على معناه ، ولا ينكر أن يكف الفعل عن عمله في الفاعل ، مع بقائه على معناه.
وقوله : ألا ترى أن الاسم في حال دخول هذا الحرف إياه على ما كان عليه قبل انتصابه بالظرف وتعلقه بالفعل ... إلخ ، هذا يشهد عليه لا له ، فإن الكلام في طلب المعمول لا في طلب العامل ، والمعمول لبعد بالإضافة مفقود لوجود المانع ، وهو الكف. وهذا هو المدعى. فلا يرد على سيبويه شيء مما ذكره. والله أعلم.
انظر خزانة الأدب ٤ / ١٧.