وقال غير البصريين : إن أصل (الذي) هذا وهذا عندهم أصله ذال واحدة وما قالوه :بعيد جدا ؛ لأنه لا يجوز أن يكون اسم على حرف في كلام العرب إلا المضمر المتصل ولو كان أيضا الأصل حرفا واحدا ما جاز أن يصغر والتصغير لا يدخل إلا على اسم ثلاثي وقد صغرت العرب (ذا) والموجود والمسموع مع ردنا له إلى الأصول من (الذي) ثلاثة أحرف لام وذال وياء وليس لنا أن ندفع الموجود إلا بالدليل الواضح والحجة البينة على أني لا لا أدفع أنّ (ذا) يجوز أن يستعمل في موضع (الذي) فيشار به إلى الغائب ويوضح بالصلة ؛ لأنه تقل من الإشارة إلى الحاضر إلى الإشارة إلى الغائب فاحتاج إلى ما يوضحه لما ذكرنا.
وقال سيبويه : إن (ذا) تجري بمنزلة (الذي) وحدها وتجري مع (ما) بمنزلة اسم واحد فأما إجراؤهم (ذا) بمنزلة (الذي) فهو قولهم : ماذا رأيت فيقول : متاع حسن وقال لبيد :
ألا تسألان المرء ما ذا يحاول |
|
أنحب فيقضى أم ضلال وباطل (١) |
وأما إجراؤهم إياه مع (ما) بمنزلة اسم واحد فهو قولك : ماذا رأيت فتقول : خيرا كأنك قلت : ما رأيت ومثل ذلك قولهم : ماذا ترى : فتقول : خيرا وقال الله : (ماذا أنزل ربكم قالوا :خيرا) كأنه قال : ما أنزل ربكم قالوا : خيرا أي أنزل خيرا فلو كان (ذا) لغوا لما قالت العرب :عما ذا تسأل ولقالوا : عمّ ذا تسأل ولكنهم جعلوا (ما وذا) اسما واحدا كما جعلوا (ما وإنّ) حرفا واحدا حين قالوا : (إنّما) ومثل ذلك كأنّما و (حيثما) في الجزاء ولو كان (ذا) بمنزلة (الذي) في هذا الموضع البتة لكان الوجه في (ماذا رأيت) إذا أراد الجواب أن تقول : خير فهذا الذي ذكر سيبويه بيّن واضح من استعمالهم (ذا) بمنزلة (الذي) فأما أن تكون (الذي) هي (ذا) فبعيد جدا ألا ترى أنّهم حين استعملوا (ذا) بمنزلة (الذي) استعملوها بلفظها ولم يغيروها والتغيير لا يبلغ هذا الذي ادعوه والله أعلم ولا يعرف له نظير في كلامهم ومن وما وأي
__________________
(١) هذا البيت من قصيدة أزيد من خمسين بيتا للبيد بن ربيعة الصحابي ، رضي الله عنه ، رثى بها النعمان بن المنذر ملك الحيرة .. وأولها :
ألا تسألان المرء ما ذا يحاول |
|
أنحب فيقضى أم ضلال وباطل |
انظر خزانة الأدب ١ / ٢٤٣.