التاسع : الإخبار عن المصدر :
اعلم أن المصدر إذا كان منصوبا وجاء للتوكيد في الكلام فقط ولم يكن معرفة ولا موصوفا فالإخبار فنه قبيح ؛ لأنه بمنزلة ما ليس في الكلام ألا ترى أنك إذا قلت : (ضربت ضربا) فليس في (ضربا) فائدة لم تكن في (ضربت) وإنما تجيء تأكيدا فإذا قلت : ضربت ضربا شديدا أو الضرب الذي تعلم فقد أفادك ذلك أمرا لم يكن في (ضربت) فهذا الذي يحسن الإخبار عنه ، فإن أردت الإخبار عن ذلك قلت : (الذي ضربت ضرب شديد) تريد : (الذي ضربته ضرب شديد) ، وإن قلت سير بزيد سير شديد قلت الذي سير بزيد سير شديد والذي يجوز أن تخبر عنه من المصادر ما جاز أن يقوم مقام الفاعل كما كان ذلك في الظروف قال الله تبارك وتعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) [الحاقة : ١٣].
وذكر المازني : أن الإخبار عن النكرة يجوز من هذا الباب ، وإن الأحسن أن يكون معرفة أو موصوفا وهو عندي غير جائز إلا أن تريد بالمصدر نوعا من الفعل فتقول على ذلك :(ضرب ضرب) أي : نوع من الضرب وفيه بعد وتقول : (ضربتك ضربا شديدا) فإذا أخبرت عنه بالألف واللام قلت : (الضاربك أنا ضرب شديد) أي : (الذي ضربتكه ضرب شديد) ، فإن ثنيت المصدر أو أفردت المرة فيه حسن الإخبار لأنك تقول : ضرب ضربتان فتكون فيه فائدة ؛ لأن قولك : (ضرب) لا يفصح عن ضربتين وكذلك لو قلت : (ضرب ضربة واحدة) أو ضربة ولم تذكر واحدة فإذا قلت : (ضرب بزيد ضرب شديد) قلت : (المضروب بزيد ضرب شديد) و (المنفوخ في الصور نفخ شديد) ، وإذا قلت : (شربت شرب الإبل) قلت : (الشاربه أنا شرب الإبل) ، وإذا قلت : (تبسمت وميض البرق) قلت : المتبسمة أنا وميض البرق وقد قال قوم : إنّ وميض البرق ينتصب على (فعل) غير (تبسمت) كأنهم قالوا :(ومضت وميض البرق) فهؤلاء لا يجيزون الإخبار عن هذه الجهة ومن نصب المصادر إذا كانت نكرة على الحال لم يجز الإخبار عنها كما لا يجوز الإخبار عن الحال ، وإذا كانت المصادر وغيرها أيضا حالا فيها الألف واللام لم يجز أن تخبر عنها نحو : أرسلها العراك والقوم فيها الجماء الغفير ورجع عوده على بدئه وما أشبه هذا مما جاء حالا وهو معرفة وكل ما شذّ عن بابه