شرح الثاني : وهو الفاء :
اعلم أن الفاء عاطفة في الفعل كما يعطف في الاسم كما بينت لك فيما تقدم فإذا قلت : زيد يقوم فيتحدث فقد عطفت فعلا موجبا على فعل موجب ، وإذا قلت : ما يقوم فيتحدث فقد عطفت فعلا منفيا على منفيّ فمتى جئت بالفاء وخالف ما بعدها ما قبلها لم يجز أن تحمل عليه فحينئذ تحمل الأول على معناه وينصب الثاني بإضمار (أن) ، وذلك قولك : ما تأتني فتكرمني وما أزورك فتحدثني لم ترد : ما أزورك وما تحدثني ولو أردت ذلك لرفعت ولكنك لما خالفت في المعنى فصار : ما أزورك فكيف تحدثني وما أزورك إلّا لم تحدثني جمل الثاني على مصدر الفعل الأول وأضمر (أن) كي يعطف اسما على اسم فصار المعنى ما يكون زيارة مني فحديث منك.
وكذا كلما كان غير واجب نحو الأمر والنهي والاستفهام فالأمر نحو قولك : إئتني فأكرمك والنهي مثل : لا تأتني فأكرمك والاستفهام مثل : أتأتني فأعطيك ؛ لأنه إنما يستفهم عن الإتيان ولم يستفهم عن الإعطاء وإنما تضمر (أن) إذا خالف الأول الثاني فمتى أشركت الفاء الفعل الثاني بالأول فلا تضمر (أن) وكذلك إذا وقعت موقع الابتداء أو مبنيّ على الابتداء.
__________________
ـ كأن المعنى : وزلزلوا فيما مضى ، حتى أن الرسول يقول الآن : متى نصر الله ، وحكيت الحال التي كانوا عليها ، كما حكيت الحال في قوله : (هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) وفي قوله : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ.)
والوجه الآخر من وجهي الرفع : أن يكون الفعلان جميعا قد مضيا ، نحو : سرت حتى أدخلها ، فالدخول متصل بالسير بلا فصل بينهما ، كما كان في الوجه الأول بينهما فصل. والحال في هذا الوجه أيضا محكيّة ، كما كانت محكية في الوجه الآخر ، ألا ترى أن ما مضى لا يكون حالا؟. وحتى إذا رفع الفعل بعدها ، حرف ، يصرف الكلام بعدها إلى الابتداء ، وليست العاطفة ولا الجارّة ، وهي ـ إذا انتصب الفعل بعدها ـ الجارّة للاسم ، وينتصب الفعل بعدها بإضمار أن ، كما ينتصب بعد اللام بإضمارها. [الحجة للقراء السبعة : ٢ / ٣٠٦].