شرح الثاني : وهو الواو :
الواو تنصب ما بعدها في غير الواجب من حيث انتصب ما بعد الفاء وإنما تكون كذلك إذا لم ترد الإشراك بين الفعل والفعل وأردت عطف الفعل على مصدر الفعل الذي قبلها كما كان في الفاء وأضمرت (أن) وتكون الواو في جميع هذا بمعنى (مع) فقط ، وذلك قولك : لا تأكل السمك وتشرب اللبن أي لا تجمع بين أكل السمك وشرب اللبن ، فإن نهاه عن كل واحد منهما على حال قال : ولا تشرب اللبن على حال وتقول : لا يسعني شيء ويعجز عنك فتنصب ولا معنى للرفع في (يعجز) ؛ لأنه ليس يخبر أن الأشياء كلها لا تسعه وأن الأشياء كلها لا تعجز عنه إنما يعني لا يجتمع أن يسعني شيء ويعجز عنك كما قال :
لاتنه عن خلق وتأتي مثله |
|
عار عليك إذا فعلت عظيم (١) |
__________________
(١) على أن تأتي منصوب بأن مضمرة بعد واو الجمعية الواقعة بعد النهي.
قال سيبويه : واعلم أن الواو وإن جرت هذا المجرى ، فإن معناها ومعنى الفاء مختلفان.
ألا ترى الأخطل قال :
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... البيت
فلو دخلت الفاء هاهنا ، لأفسدت المعنى ، وإنما أراد : لا تجمعن النهي ، والإتيان ، فصار تأتي على إضمار أن.
انتهى.
ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : وأنت تأتي ، ولا يجوز جزمه ، لفساد المعنى. وعار خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو عار. وعظيم. صفته. وهذه الجملة دليل جواب إذا. ومعنى البيت من قوله تعالى : "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ".
وقال الحاتمي : هذا أشرد بيت قيل في تجنب إتيان ما نهي عنه. والبيت وجد في عدة قصائد. ومنه اختلف في قائله ، فنسبه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في أمثاله إلى المتوكل بن عبد الله الليثي الكناني. وأورده في باب تعيير الإنسان صاحبه بعيب هو فيه.
والمتوكل الليثي من شعراء الإسلام ، وهو من أهل الكوفة ، وكان في عصر معاوية وابنه يزيد ، ومدحهما.
ونسبه إليه أيضا الآمدي في المؤتلف والمختلف ، وقال فيمن يقال له المتوكل : منهم المتوكل الليثي ، وهو المتوكل بن عبد الله بن نهشل بن وهب بن عمرو بن لقيط بن يعمر الشداخ بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة. انظر خزانة الأدب ٣ / ٢٧٥.