وأما يونس فزعم : أنه بمنزلة قولك : (أشهد أنه لعبد الله) واضرب (معلقة) يعني (بمعلقة) أنها لا تعمل شيئا والبناء مذهب سيبويه والمازني وغيرهما من أصحابنا ومن العرب من يعمل (من) وما نكرتين فإذا فعلوا ذلك ألزموهما الصفة ولم يجيزوهما بغير صفة قالوا : اضرب من طالحا أو امرر بمن صالح قال الشاعر :
يا ربّ من يبغض أذوادنا |
|
رحن على بغضائه واغتدين (١) |
__________________
ـ تبعيض ولا قطع ، فلذلك حمله على الحكاية. اه. وقال النحاس : قال سيبويه : زعم الخليل أن هذا ليس على إضمار أنا ، ولو كان كذلك لجاز : كان عبد الله لا مسلم ولا صالح ، ولكنه فيما زعم الخليل : فأبيت كالذي يقال له : لا حرج ولا محروم. وإنما فر الخليل من إضمار أنا وإن كانت قد تضمر في هذا الموضع ، لأنه يلزم عليه أن يقول : كنت لا خارج ولا ذاهب. وهذا قبيح جدا ، فجعله على الحكاية : فأبيت بمنزلة الذي يقال له : لا حرج ولا محروم ، أي : إنها لم تحرمني ، فيقال لي محروم ، ولم أتحرج من حضوري نعها ، فيقال لي : حرج. وقال أبو إسحاق الزاج : هو بمعنى لا حرج ولا محروم في مكاني. فإذا لم يكن في مكانه حرجا ولا محروما ، فهو لا حرج ولا محروم. وزعم الجرمي أنه على معنى فأبيت وأنا لا حرج ولا محروم. قال سيبويه : وقد زعم بعضهم أنه على النفي ، كأنه قال : فأبيت لا حرج ولا محروم بالمكان الذي أنا فيه. وكلام أبي إسحاق شرح لهذا. قال أبو الحسن : فيكون في المكان الذي أنا فيه خبرا عن حرج ، والجملة خبر أبيت. انتهى كلام النحاس. قال السيرافي :وهذا التفسير أسهل ، لأن المحذوف خبر حرج ، وهو ظرف ، وحذف الخبر في النفي كثير كقولنا : " لا حول ولا قوة إلا بالله" ، أي : لنا. وقوله : ولقد أبيت ، قال صاحب المصباح : بات له معنيان : أحدهما كما نقل الأزهري عن الفراء : بات الرجل ، إذا سهر الليل كله في طاعة أو معصية. وثانيهما : بمعنى صار ، يقال : بات بموضع كذا ، أي : صار به ، سواء كان في ليل ، أو نهار. وعليه قوله عليه الصلاة والسّلام : " فإنه لا يدري أين باتت يده" ، أي : صارت ووصلت. اه. والمناسب هنا المعنى الثاني. والرواية في ديوان الأخطل : ولقد أكون.
والمستقبل هنا في موضع الماضي ، لأنه يريد أن يخبر عن حاله فيما مضى ، وأكثر ما يجيء هذا فيما علم منه ذلك الفعل خلقا وطبعا ، وقد تكرر ذلك الفعل منه ، ولا يكون كفعل فعله في الدهر مرة واحدة. والفتاة : الجارية الشابة ، يريد أنه كان في شبابه تحبه الفتيات ، ويبيت عندهن بمنزل يعنى بمنزلة جميلة. والحرج بفتح الحاء وكسر الراء : المضيق عليه. يقول : إن موضعه لم يكن مضيقا به ، ولا هو محروم من جهتها ما يريده. انظر خزانة الأدب ٢ / ٣١٢.
(١) من النّكرة الموصوفة : وتدخل عليها" ربّ" دليلا على أنّها نكرة وذلك في قول الشّاعر : ـ
ربّ من أنضجت غيظا قلبه |
|
قد تمنّى لي موتا لم يطع |
واستشهد سيبويه على ذلك بقول عمرو بن قميئة :
يا ربّ من يبغض أذوادنا |
|
رحن على بغضائه واغتدين |
وظاهر في البيتين أنها واقعة على الآدميّين