لأن أرضا ومكانا سواء ولو قال على هذا : (إنّ زينب قام) لم يجز ؛ لأن تأنيث هذا تأنيث حقيقي فمهما اعتوره من الاسم فخبرت عنه بذلك ، فإن الخبر عنه لا عن الاسم.
واعلم أن من التأنيث والتذكير ما لا يعلم ما قصد به كما أنه يأتيك من الأسماء ما لا يعرف لأي شيء هو تقول : فهر فهي مؤنثة وتصغيرها فهيرة وتقول : قتّب لحشوة البطن وهو المعي وتصغيره قتيبة وبذلك سمي الرجل قتيبة وكذلك : طريق وطرق وطريقين جرن وجرنات وأوطب وأواطب والشيء قد يكون على لفظ واحد مذكر ومؤنث فمن ذلك :
__________________
التأنيث للضرورة واستغنى عنه مما علم من تأنيث الأرض. وإلى هذا الوجه أشار أبو علي. وقال غيره : وإنما قبح ذلك لاتصال الفاعل المضمر بفعله ، فكأنه كالجزء منه حتى لا يمكن الفصل بينهما بما يسد مسد علامة التأنيث. ولا يخفى ما فيه. وعند ابن كيسان والجوهري أن الفعل إذا كان مسندا لضمير المؤنث المجازي لا يجب إلحاق علامة التأنيث.
وقول بعضهم : وهذا ليس بضرورة لأنه كان يمكنه أن يقول" ولا أرض أبقلت إبقالها" بنقل حركة الهمزة إلى ما قبلها وإسقاطها ـ ليس بجيد ، لأن الصحيح أن الضرورة ما وقع في الشعر ، سواء كان للشاعر عنه فسحة أم لا. وأجاب السيرافي بأنه يجوز أن يكون الشاعر ليس من لغته تخفيف الهمزة ، وحينئذ لا يمكنه ما ذكره. وذكر ابن يسعون أن بعضهم رواه بالتاء بالنقل المذكور. وقال ابن هشام : فإن صحت الرواية وصح أن القائل ذلك هو الذي قال و" لا أرض أبقل" بالتذكير صح لابن كيسان مدعاة ، وإلا فقد كانت العرب ينشد بعضهم بعضا ، وكل يتكلم على مقتضى لغته التي فطر عليها ، ومن هنا كثرت الروايات في بعض الأبيات.
وزعم جماعة أنه لا شاهد فيه ، فقال أبو القواس في" شرح ألفية ابن معطي" أنه روى" إبقاها" بالرفع ، مسندا إلى المصدر. ويرده أن إبقالها منصوب على المصدر التشبيهي ، أي : ولا أرض أبقلت كإبقال هذه الأرض. ولو كان كما زعم كان معناه نفي الإبقال ، وهو نقيض مراد الشاعر. وزعم بعضهم أن ضمير أبقل عائد على مذكر محذوف ، أي : ولا مكان أرض ، فقال أبقل باعتبار المحذوف ، وقال إبقالها باعتبار المذكور.
وهذا فاسد أيضا ، لأن ضمير إبقالها ليس عائدا على الأرض المذكورة هنا ، فتذكير" أبقل" باعتبار المحذوف لا دليل عليه ، ولو قال إن الأرض مما يذكر ويؤنث ـ كما قال أبو حنيفة الدينوري في" كتاب النبات" عند ما أنشد هذا البيت : إن الأرض تذكر وتؤنث ، وكذلك السماء ، ولهذا قال أبقل إبقالها ـ لكان وجها. انظر خزانة الأدب ١ / ١٦.